رغبة تركيا في الانضمام إلى "بريكس".. تعزيز نفوذ أم مناورة ضد الغرب؟
"بريكس ليست كياناً يمكن مقارنته بالاتحاد الأوروبي أو الناتو"
في مطلع سبتمبر/ أيلول 2024، كشفت وكالات دولية أن تركيا تقدمت بطلب للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، من أجل "تعزيز نفوذها في العالم وتوسيع علاقاتها مع الدول النامية".
ومن المنتظر أن يتم النظر في مسألة توسيع المجموعة خلال قمة "بريكس" المزمع إجراؤها في الفترة من 22-24 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 بمدينة كازان الروسية.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة إندبندنت بنسختها التركية مقالا للكاتب التركي "أومور توغاي يوجل" سلط فيه الضوء على هذه الخطوة التي فاجأت كثيرين، نظرا لعضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي "ناتو".
فهم بريكس
وقال الكاتب التركي إن العلاقات بين تركيا وبريكس لا ينبغي تفسيرها على أنها "تحول في المحور"، ولهذا نحتاج إلى فهم بريكس بشكل أفضل.
فبريكس ليست معادية للغرب أي أنها لا تحمل أي عداء أو خصومة تجاه الغرب. لذلك لم تُنشأ بريكس لمعارضة الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى الناتو. كما أن بريكس ليست كيانا يمكن مقارنته بالاتحاد الأوروبي أو الناتو.
فالناتو هو تنظيم عسكري، بينما بريكس يعد كيانا سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وثقافيّا ويركز على السلام والتنمية.
في حين أن الاتحاد الأوروبي هو كيان أحادي المركز وأحادي الحضارة والدين واللون، حيث تُنقل السيادة من الدول الأعضاء.
أما بريكس فهي تمثل تعددية الحضارات وتعددية المراكز والأديان والمناطق والألوان.
بالإضافة إلى أن نظام بريكس يتقدم من خلال رئاسة دورية سنوية للدول الأعضاء. لذلك، لا يوجد مركز لبريكس. وكل عام تكون دولة واحدة هي المركز.
والمختلف أن النظام لديه بنك تنمية والذي تأسس في عام 2015 وهو أول بنك تنمية أنشأته الدول النامية.
بالإضافة إلى أنه لا توجد دولة غربية بين أعضائه، ويمكن القول إنه أول بنك تنمية أنشأته الأمم والحضارات غير الغربية.
وهذا البنك، الذي يُعد أول إنجاز للعالم غير الغربي، أنفق حتى الآن 35 مليار دولار على أكثر من 100 مشروع في عشرات الدول.
وبذلك، أسس آلاف الكيلومترات من الطرق السريعة وآلاف المنازل ومئات الجسور والبنى التحتية الضخمة في المناطق غير الغربية.
علاوة على ذلك، تقود دول بريكس عملية التخلص من الدولار. وقد حققت هذه الدول تقدما كبيرا في التجارة بالعملات الوطنية.
وعلى الرغم من أن بريكس في بداية الطريق، ولكن بما فعلته حتى الآن أصبحت مركز جذب كبيرا.
ونتيجة للعقوبات والضغوط الغربية على الدول غير الغربية، هناك أكثر من 40 دولة ترغب في الانضمام إلى بريكس اليوم.
والدول التي ترغب في الانضمام تشمل دولا من أوروبا، حتى إن جارة الولايات المتحدة المكسيك تسعى للانضمام للبريكس أيضاً.
طلب رسمي
ويقول الكاتب التركي إن مسؤولين في روسيا، التي تترأس بريكس، أعلنوا أن تركيا قدمت طلباً رسمياً للانضمام إلى بريكس.
وأشار إلى أن أول لقاء مع بريكس كان في عام 2018، فالقمة التي حضرها الرئيس رجب طيب أردوغان كانت ذات صدًى كبير. لكن لفترة طويلة لم تكن بريكس على الأجندة.
بدلا من ذلك كانت منظمة شنغهاي للتعاون على الأجندة، وهي تنظيم آخر غير غربي. حيث قيل إن تركيا ترغب في الانضمام بعضوية كاملة من قبل صناع القرار الأتراك.
لكن تشكيل عضوية تركيا في بريكس اليوم أسهل من عضوية منظمة شنغهاي للتعاون.
لأن منظمة شنغهاي للتعاون تركز على الأمن والدفاع؛ حيث سيكون من الصعب التوفيق بين وثائق منظمة شنغهاي للتعاون ووثائق الناتو التي تعد تركيا عضوا فيه.
أما في بريكس فلا يوجد مثل هذا الوضع. فإنّ بريكس ليس لديه أجندة للأمن والدفاع في الوقت الحالي.
ويميل نظام بريكس بشكل أكبر إلى أن يكون دبلوماسياً وسياسياً واقتصاديا وثقافيا، أي كيانا يمكن لتركيا أن تنضم إليه بشكل أكثر سلاسة.
وبعد عام 2018، كانت الخطوة الأكثر جدية بشأن بريكس هي مشاركة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في اجتماع وزراء خارجية بريكس عام 2023.
ويبدو أن عملية تقديم الطلب إلى بريكس تمت في اجتماع وزراء خارجية بريكس.
وفي حال تمّت الموافقة على تركيا بعد تقييم عملية انضمامها، ستصبح تركيا "دولة مرشحة". ثم سيتم مناقشة هذا الاقتراح في قمة قادة بريكس.
وبناءً على القرار الذي سيتم اتخاذه بالإجماع، ستتلقى تركيا دعوة من بريكس. بعد ذلك، يجب أن تقبل تركيا الدعوة.
وفي السياق، أشار الكاتب التركي إلى أن توازنات القوى العالمية تشهد تغيراً، حيث تظهر مراكز قوى وحضارات جديدة في العالم غير الغربي.
في مثل هذا السياق، لا يمكن لدولة مثل تركيا التي تعد دولة حضارية وتتمتّع بموقع مركزي أن تغفل عن هذا الأمر.
وأكد أن النظر إلى عضوية تركيا في بريكس على أنها مجرد فائدة اقتصادية أو ورقة ضغط ضد الغرب هو نظرة ضيقة وقصيرة النظر.
وأضاف: نعم، يمكن القول إن الفرص الاقتصادية والتجارية وتعزيز موقف تركيا تجاه الغرب يمكن أن يكونا سببين فقط.
لكن الأسباب الرئيسة هي توازنات القوى والحضارات المتغيرة في العالم وعملية بناء تركيا لمحورها الخاص.
“محور تركيا”
وتعليقا على تعبير "محور تركيا" الذي يتحدث عنه مسؤولون أتراك كثيرا في الآونة الأخيرة، أوضح الكاتب أنه يعني الاستمرار في التعاون مع الغرب مع التخلص من القيود الغربية.
وأضاف أن المرساة التركية لن تكون فقط في المياه الغربية بل في جميع المياه غير الغربية. وبذلك، ستبدأ فترة بناء المحور وليس تحول المحور بالنسبة لتركيا.
وتابع: يجرى اليوم تنفيذ مفهوم "محور تركيا" من أجل نظام عالمي عادل يعتمد على الحضارة التركية-الإسلامية ويرى الجميع على قدم المساواة.
ومضى يقول: الاهتمام المتزايد لتركيا بالتنظيمات غير الغربية هو دليل على ذلك.
علاوة على ذلك، يشير الكاتب إلى أن “حقيقة أن دولاً مثل مصر والإمارات وإيران، والتي نتعاون ونتنافس معها في منطقتنا، هي أعضاء في بريكس قد خلقت واقعاً يجب أن تأخذه تركيا في الحسبان”.
فمع هذا الواقع، فإن بريكس تمتلك إنتاجاً واستهلاكاً وتصديراً واستيراداً وسوقاً ضخماً.
وتعد دول بريكس مستودع العالم في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والأسلحة والمواد الخام والزراعة وتربية الحيوانات.
علاوة على ذلك، يمكن أن يجعل التعاون مع دول بريكس في مجال التكنولوجيا تركيا قوية في هذا المجال بشكل أسرع.
وفي هذه العملية، ستزيد المرونة الاقتصادية والبدائل التي توفرها بريكس من الاستقلال الإستراتيجي للسياسة الخارجية التركية.
وبذلك ستكتسب تركيا قدرة حركة أكبر، بحيث يساعدها ذلك على أن تكون مركز قوة أكثر فعالية وظهورا على المستويين الإقليمي والعالمي.
وستتمكن تركيا، التي تبدو عضوا في الناتو ونادي الغرب، من إيصال مهمتها ورؤيتها وسياساتها إلى أمم أخرى بشكل أقوى من خلال بريكس.
وعلى هذا النحو ستسهم بريكس وتركيا في القوة الاقتصادية وحجم التجارة والقدرة الدبلوماسية والتراث الثقافي لبعضهما البعض.
فهناك الكثير الذي يمكن أن تكسبه تركيا من بريكس، والكثير الذي يمكن أن يكسبه بريكس من تركيا.