تفكيك خلايا سرية.. هكذا يتغلغل "حزب الله" وإيران في أميركا اللاتينية؟
ما تزال دول أميركا اللاتينية تكافح شبكات "تخطط لهجمات" في دولها تحظى بدعم من إيران وذراعها العسكري في لبنان "حزب الله".
وأعلنت السلطات الأرجنتينية في 3 يناير/ كانون الثاني 2024 مثول ثلاثة أجانب ينحدرون من سوريا ولبنان أمام قاض بعد توقيفهم نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023 في بوينوس آيرس وضواحيها، للاشتباه في قيامهم "بالتخطيط لعمل إرهابي في البلاد".
وجرى توقيف المشتبه بهم، أحدهم في بوينوس آيرس والثاني في ضاحية أفيلانيدا والثالث في أحد المطارات.
والمشتبه بهم يحمل أحدهم جوازي سفر فنزويليا وكولومبيا، وبالتوازي قامت السلطات "بتعقب طرد" يتبع لهم مصدره اليمن، وفق ما ذكرت وزارة الأمن على منصة "إكس" مشيرة إلى تحييد "خلية إرهابية محتملة".
ونقلت وكالة الأنباء الأرجنتينية "تيلام" عن وزيرة الأمن باتريسيا بولريتش قولها للصحفيين إن المحققين يتأكدون من "الهويات الحقيقية" للمشتبه بهم لأن "بعضهم يحمل جوازات سفر مختلفة عن تلك المستخدمة لدخول الأرجنتين"، مشيرة إلى أن أيا منهم "لم تصدر بحقه مذكرة اعتقال دولية".
وأضافت الوزيرة "سنرى ما إذا كانت خلية جاءت إلى الأرجنتين، أم أن للأمر دلالة أخرى".
وأشارت إلى أن التوقيفات "تمت بناء على معلومات استخباراتية من مصادر مختلفة قدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل، ومعلومات أخرى من كولومبيا".
وشددت بولريتش على أن "الأرجنتين تولي اهتماما خاصا بالمخاطر الأمنية، لاستضافتها الألعاب الأولمبية اليهودية للقارة الأميركية التي أقيمت في الفترة من 27 ديسمبر/ كانون الأول 2023 وحتى 5 يناير/ كانون الأول 2024.
شبكات ومخططات
وأعادت عملية التوقيف الجديد فتح ملف النفوذ الإيراني وأذرعه في أميركا اللاتينية، رغم تكتم السلطات الأرجنتينية عن الجهة التي تقف خلف تمويل هؤلاء الذين جرى توقيفهم.
وشهدت السنوات الماضية عمليات توقيف لأشخاص يتبعون لـ"حزب الله" اللبناني المدعوم ماليا وعسكريا من إيران في دول أميركا اللاتينية.
ولهذا يعتقد خبراء أمنيون أن حزب الله، ينشط على الحدود بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي.
وتصنف الأرجنتين وباراغواي منذ عام 2019 حزب الله "منظمة إرهابية".
وجاءت عملية توقيف الأرجنتين للأجانب المنحدرين من سوريا ولبنان، بعد إعلان القضاء الأميركي في 21 ديسمبر 2023 توجيه تهمة المشاركة في أعمال "إرهابية" بأميركا الجنوبية وآسيا ولبنان إلى قيادي في حزب الله يحمل جنسيتي لبنان وكولومبيا، بما في ذلك الضلوع في تفجير استهدف مركزا يهوديا في بوينوس آيريس عام 1994 وأوقع عشرات القتلى.
وقالت النيابة العامة الفدرالية في نيويورك عبر بيان إن صموئيل سلمان الرضا، المعروف أيضا باسم "سلمان رؤوف سلمان"، وجه إليه الاتهام غيابيا بسبب وجوده في لبنان.
وصدر البيان باسم كل من المدعي العام الفدرالي في نيويورك داميان وليامز ونائب وزير العدل الأميركي ماثيو أولسن وقائدي مكتب التحقيقات الفدرالية (إف بي آي) وشرطة نيويورك (إن واي بي دي).
وبحسب وليامز فإن "صموئيل سلمان الرضا متهم منذ عقود بتنفيذ عمليات إرهابية نيابة عن منظمة حزب الله، بما في ذلك تفجير بوينوس آيريس في 1994 الذي أودى بحياة 85 ضحية بريئة".
وأتى هذا التفجير بعد عامين من هجوم استهدف السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية وأوقع 29 قتيلا و200 جريح.
وفي 2006، اتهمت النيابة العامة الأرجنتينية حزب الله بتنفيذ هجوم "المركز اليهودي" بناء على أوامر تلقاها من مسؤولين إيرانيين.
بالنظر إلى السنوات الأخيرة، فقد شهدت عدد من دول أميركا اللاتينية توقيفات لشخصيات تتبع لحزب الله اللبناني، والتي تظهر محاولات "بناء نفوذ سري" هناك يتمدد شيئا فشيئا.
ففي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قالت الشرطة البرازيلية إنها ألقت القبض على شخصين لتورطهما في التخطيط "لهجمات إرهابية" في البلاد، التي أفاد جهاز التجسس الإسرائيلي "الموساد" بأنها "مدعومة من حزب الله ضد أهداف إسرائيلية ويهودية".
وأعاد توقيف شخصين في البرازيل خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بشبهة "التحضير لهجمات إرهابية"، نسبتها إسرائيل لحزب الله، طرح السؤال حول ما إذا كانت المنظمة اللبنانية تنشط في أميركا الجنوبية.
نشاط حزب الله
وقال جهاز "الموساد" في بيان إنه تعاون مع السلطات البرازيلية "لإحباط هجوم في البرازيل، خططت له منظمة حزب الله الإرهابية لمهاجمة أهداف يهودية وإسرائيلية" هناك.
وتتركز الشبهات حول وجود حزب الله في المنطقة بالأساس على منطقة الحدود بين كل من الأرجنتين والبرازيل وبارغواي، حيث يقيم العديد من السكان المنحدرين من أصول لبنانية.
وتتميز كبرى مدن المنطقة سويداد ديل استي الواقعة في باراغواي بسمعة "غير طيبة"، حيث تعد قطبا للاتجار غير القانوني في مواد متنوعة تشمل الأسلحة، وهي منطقة حرة تشتهر بإقبال السياح عليها لشراء معدات منزلية كهربائية معفاة من الضرائب بأسعار مخفضة.
ويقول مكتب مكافحة الإرهاب الأميركي إن "حزب الله يستعمل هذه المنطقة قاعدة لجمع أموال".
وذكر سفير الولايات المتحدة في باراغواي في يناير 2023 أن حزب الله يقيم "بشكل منتظم" أنشطة يقدم من خلالها رشاوى لسياسيين محليين، بمن فيهم الرئيس الأوروغواياني السابق أوراسيو كارتس (2013-2018)، مقابل السماح للحزب بامتيازات مختلفة، لكن كارتس والمحيطين به نفوا هذه الاتهامات.
كذلك يتهم مكتب مكافحة المخدرات الأميركي حزب الله بالحصول على أموال من خلال مساعدة عصابات محلية على غسل الأموال بواسطة مكاتب لصرف العملات يسيرها أشخاص منحدرون من لبنان.
وفي العام 2014 أكدت صحيفة "أو غلوبو" البرازيلية، نقلا عن تقارير شرطية مسربة، أن مهربين لبنانيين على صلة بحزب الله ساعدوا إحدى كبرى عصابات الجريمة المنظمة في البرازيل، المعروفة باسم " بي سي سي" على شراء أسلحة وبيع متفجرات مسروقة.
كذلك اتهمت الحكومة الأميركية عدة مواطنين من بلدان في أميركا الجنوبية بتمويل حزب الله، ومن بينهم المواطن اللبناني الباراغوياني أسعد بركات الذي أدين في قضية غسيل أموال.
وحصل بركات على جنسية بارغواي عام 1989، لكنه جرد منها بعد إدانته في 2003، وأدرج منذ 2006 على لائحة وزارة الخزانة الأميركية للأفراد والمجموعات الناشطة في منطقة المثلث الحدودي وفي تمويل حزب الله.
ووصفت وزارة الخزانة الأميركية بركات حينذاك بأنه "إرهابي عالمي"، مؤكدة أن شبكته تشكل "شريان تمويل أساسيا لحزب الله".
وقالت الشرطة البرازيلية إن اللبناني أسعد أحمد بركات أوقف في المثلث الحدودي بين البرازيل والأرجنتين والباراغواي، المعروف باسم شلالات إيغوازو، موضحة أنه متهم بحيازة وثائق هوية مزورة.
وقالت الشرطة البرازيلية إن "أفرادا في عصابة بركات قاموا بمشتريات بقيمة عشرة ملايين دولار، بدون الإعلان عنها في كازينو في مدينة إيغوازو الأرجنتينية"، عادة أن ذلك "تم بهدف تبييض أموال المنظمة"، في إشارة إلى حزب الله.
وأضافت أن الأموال كانت مخصصة لصناديق حزب الله، لكن هذه المبالغ وموجودات أخرى تم تجميدها من قبل سلطات الأرجنتين.
إثبات النفوذ
وفي يونيو 2023 طلبت الأرجنتين من الشرطة الدولية إنتربول إصدار مذكرة توقيف من درجة حمراء ضد أربعة لبنانيين يشتبه في صلتهم بحزب الله، ويحمل ثلاثة منهم أيضا جنسيات برازيلية أو بارغوايانية.
كما أن فنزويلا احتجت نهاية ديسمبر 2023 على طلب للنيابة العامة الأرجنتينية نقلته صحيفة "إل كلارين" يقضي بمصادرة طائرة شحن فنزويلية بناء على طلب من الولايات المتحدة رابضة منذ يونيو 2022 قرب بوينوس آيرس.
وقالت وزارة الخارجية الفنزويلية في بيان حينها: "ترفض فنزويلا بشكل قاطع قرار" النيابة "المتعلق بمصادرة طائرة إمتراسور المحتجزة بشكل غير قانوني".
لكن صحيفة "إل كلارين" الأرجنتينية أوردت أن النيابة طلبت مصادرة الطائرة بناء على طلب من الولايات المتحدة، في هذه القضية المستمرة منذ أشهر والتي كان لإيران ضلوع فيها أيضا، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".
واحتجزت الطائرة وهي من طراز بوينغ 747 وتملكها شركة "إمتراسور" التابعة لمجموعة كونفياسا العامة في 8 حزيران/يونيو 2022 في الأرجنتين بعد وصولها من المكسيك محملة بقطع غيار سيارات.
ومنع أفراد طاقمها البالغ عددهم 19 من مغادرة البلاد بداية ثم أطلق سراحهم. وكان من بينهم أربعة إيرانيين، أحدهم، بحسب واشنطن، قيادي سابق في الحرس الثوري الإيراني، وهو منظمة تصنفها الولايات المتحدة إرهابية.
وقالت وزارة العدل الأميركية في 19 تموز/يوليو 2022 لتبرير طلبها مصادرة الطائرة إن الأخيرة بيعت في تشرين الأول/أكتوبر 2021 لشركة إمتراسور من جانب شركة "ماهان إير" الإيرانية، في انتهاك للعقوبات الأميركية.
وسبق أن أعلنت الأرجنتين في يوليو/تموز 2019 تجميد أصول حزب الله اللبناني الشيعي الذي يشتبه بتورطه في الاعتداء على "الجمعية التعاضدية الإسرائيلية الأرجنتينية" (آميا) الذي أسفر عن سقوط 85 قتيلا قبل 25 عاما.
وقال بيان رسمي أرجنتيني إن "وحدة المعلومات المالية" وهي هيئة حكومية "أمرت بتجميد أصول منظمة حزب الله الإرهابية وكيانات محددة في الجناح العسكري تشكل جزءا من هذه المنظمة وقادة المنظمة".
من جهة أخرى، أنشأت الأرجنتين سجلا رسميا للأشخاص والمنظمات الإرهابية، بموجب مرسوم يقضي بفرض عقوبات عليهم مثل تجميد أصول أو منعهم من الدخول إلى أراضي البلاد. وكان حزب الله أول من أدرج فيه.
كما أعلنت الشرطة الفدرالية البرازيلية في عام 2018 أنها أوقفت لبنانيا يشتبه بأنه يجمع أموالا لحزب الله اللبناني.
وأمام هذه المعطيات، فإنه يمكن القول إنه تاريخيا، كانت علاقات أميركا اللاتينية مع إيران شبه معدومة. لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه المنطقة أولوية بالنسبة لإيران لتوسيع نفوذها ونطاق عملها.
إلا أن جهود إيران لاختراق المنطقة تتجاوز نطاق العلاقات الدبلوماسية، فبحسب دراسة أجراها المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب "ICT" من جامعة رايخمان الإسرائيلية، "تحظى إيران بدعم المنظمات الإرهابية والجماعات الموالية لإيران لتوسيع نفوذها الأيديولوجي في أميركا اللاتينية".
وتسلط الدراسة الضوء على أن "جماعة حزب الله كانت مسؤولة عن عمليات جمع الأموال والدعاية والتهريب".
ومنذ عام 2020، انتقلت إيران من تصنيف وتتبع الأهداف للهجوم المحتمل في حالة تصاعد الضغوط بين الغرب وإيران، إلى إطلاق خطط، بما في ذلك محاولة اغتيال رجال أعمال إسرائيليين في كولومبيا.
والأمر اللافت للنظر هو أن المدعي العام السابق في الأرجنتين ألبيرتو نيسمان الذي كان يحقق في تفجير مركز للجالية اليهودية في العام 1994، قبل مقتله عام 2015 تمكن من نشر 500 صفحة تقرير يتهم النظام الإيراني بالتسلل إلى العديد من دول أميركا الجنوبية من خلال "بناء محطات استخبارات سرية محلية مصممة لرعاية وتعزيز وتنفيذ الهجمات الإرهابية".
واستنادا إلى وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، فإن تحقيقا أجرته وكالة "شرطة الحدود" في الأرجنتين خلص إلى أن نيسمان، الذى قاد التحقيق في الهجوم على مركز للجالية اليهودية عام 1994، قتل بعد أربعة أيام فقط من اتهامه رسميا للرئيسة السابقة كريستينا فرنانديز، بتغطية دور المسؤولين الإيرانيين السابقين الذين اتهموا بالتفجير.
المصادر
- الأرجنتين توقف ثلاثة أجانب بشبهة التخطيط «لعمل إرهابي»
- ماذا نعرف عن الشبهات حول أنشطة لحزب الله في أميركا الجنوبية؟
- Iran Increasingly Turns to Latin America
- القضاء الأميركي يتّهم قيادياً في حزب الله بالضلوع بتفجير مركز يهودي بالأرجنتين في 1994
- تقرير جديد : المدعي العام الأرجنتيني السابق "نيسمان" قُتل ولم ينتحر