حال أوقفت فرنسا إمدادها بالأسلحة.. إلى أي مدى تتأثر إسرائيل عسكريا؟
99 بالمئة من واردات الأسلحة الإسرائيلية تأتي من الولايات المتحدة وألمانيا
بصورة لافتة، تصاعد التوتر خلال الأسابيع الأخيرة بين فرنسا والكيان الإسرائيلي، خاصة مع تكثيف الاحتلال عدوانه على لبنان.
وفي 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، استدعاء سفير إسرائيل في باريس بعد هجوم جديد للجيش الإسرائيلي على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، علما أن فرنسا مشارك رئيس فيها.
كما نسبت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية تصريحات للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قال فيها: "يجب على (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو ألا ينسى أن إسرائيل أنشئت بقرار من الأمم المتحدة، ولذلك ينبغي ألا يتنصّل من قرارات المنظمة الدولية".
وبحسب الصحيفة، فإن ماكرون أدلى بهذه التصريحات خلال جلسة مغلقة لمجلس الوزراء الفرنسي عُقدت في 15 أكتوبر 2024، مشيرة إلى أن عددا من المشاركين في الجلسة أكدوا حدوث ذلك.
وفي المقابل، أصدر مكتب نتنياهو بيانا، قال فيه: "تذكيرا للرئيس الفرنسي: لم يكن قرار الأمم المتحدة الذي أنشأ دولة إسرائيل، بل هو النصر الذي تحقق في حرب الاستقلال بدماء المقاتلين الأبطال، وكثير منهم ناجون من المحرقة بما في ذلك نظام فيشي في فرنسا".
وسبق ذلك، دعوة من ماكرون إلى فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي؛ في محاولة لدفع حكومة نتنياهو إلى إيجاد حل سياسي لحرب الإبادة الجارية، ولاحقا أجرى اتصالا مع نتنياهو أكد فيه دعمه "حق إسرائيل في دفاعها عن نفسها".
في هذا السياق، نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية مقالا مشتركا، استعرضت فيه تجارب تاريخية لحظر الأسلحة الفرنسية على إسرائيل، وترى أنها أفادت صناعة السلاح الإسرائيلية.
وشارك في كتابة المقال الباحثة بمجلس الأمن القومي الاستشاري "ديفيا مالهوترا"، وأحد قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي "تال بافيل".
عواقب محدودة
وأورد المقال أن "فرنسا ليست موردا رئيسا للأسلحة لإسرائيل"؛ ففي عام 2023، صدّرت فرنسا معدات عسكرية بقيمة 30 مليون يورو (33 مليون دولار) فقط إلى "إسرائيل".
ووفقا لتقرير صادر عن "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، فإن 99 بالمئة من واردات الأسلحة الإسرائيلية تأتي من الولايات المتحدة وألمانيا.
وقال الكاتبان: "قد تكون دعوة فرنسا لحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل مزعجة من الناحية الأخلاقية، ولكن من غير المرجح أن يكون لها أي عواقب على قدرة إسرائيل على القتال".
ومع ذلك، فإن هذا الوضع يثير شعورا بالدهشة من تشابهه مع خبرات سابقة، وفق المقال.
ففي عام 1967، قبل ثلاثة أيام فقط من حرب الأيام الستة (نكسة عام 1967)، أعلن الرئيس الفرنسي، شارل ديغول، حظر تصدير الأسلحة لإسرائيل.
"وحظرت فرنسا صفقة طائرات الميراج التي كانت إسرائيل قد دفعت ثمنها مسبقا، حيث كان يهدف ديغول إلى إعادة ضبط العلاقات مع العالم العربي"، وفق المقال.
وأفاد بأن "العالم العربي كان قد بدأ بالفعل في مقاطعة فرنسا؛ بسبب دعمها للكيان الإسرائيلي منذ خمسينيات القرن العشرين".
لكن الضرر الحقيقي حدث بعد عامين ففي 3 يناير/كانون الثاني 1969، فرضت فرنسا حظرا ثانيا على الأسلحة بعد الهجوم الإسرائيلي على مطار بيروت.
وأضاف أنه "في غياب العلاقة مع فرنسا، أحست إسرائيل بالحصار والعجز".
وبالإضافة إلى بناء علاقة خاصة مع فرنسا، التي أصبحت أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل، بدأت القيادة الإسرائيلية في تطوير الصناعة العسكرية المحلية في أيامها الأولى.
ومع ذلك، فإن ملامح جديّة هذه القدرات الإسرائيلية في صناعة الدفاع، بدأت في الظهور في أواخر الستينيات مع تغيير سياسة ديغول.
وأشار المقال إلى أن "الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فرضتا حظرا مماثلا في عامي 1971 و1973 على التوالي، ما وجّه إسرائيل لتولي زمام المبادرة في برنامج تحديث عسكري".
"وبحلول نهاية السبعينيات، أصبحت إسرائيل قادرة على إنتاج معدات عسكرية متقدمة تتراوح من الدبابات والطائرات النفاثة إلى الأسلحة الذكية الموجهة بدقة، والإلكترونيات الدقيقة، والمحركات الصاروخية للصواريخ البحرية-البحرية والجو-جو".
وأكد المقال أن بهذه الطريقة "حقق الجيش الإسرائيلي درجة عالية من التفوق التكنولوجي".
"قلة ضد كثرة"
وفي مقالته عام 1997 حول بناء القوة، زعم اللواء (المتقاعد)، إسحاق بن إسرائيل، أنه "كلما زاد مستوى الاعتماد على التكنولوجيا في الحرب بيننا وبين العرب، تحسن وضعنا النسبي".
وقال الكاتبان: "كانت حروب إسرائيل مع خصومها في الأساس حروب "قلة ضد كثرة"، وأدركت القيادة الإسرائيلية أن السيناريو الأمثل لها هو حرب عالية التقنية".
وأضافا أنه "إلى جانب تعزيز قدراته العسكرية بفضل المساعدات من أكبر حلفائه، الولايات المتحدة، شهد الجيش الإسرائيلي نقلة تكنولوجية نوعية".
وأفاد المقال بأن "الجيش الإسرائيلي شرع في بناء قدراته السيبرانية في تسعينيات القرن العشرين، وعلى مر السنين، وظّف تقنيات المراقبة السيبرانية المتقدمة والذكاء الاصطناعي لدعم وتنفيذ عملياته البرية".
"ومن المعروف أن وحدات متخصصة، مثل "الوحدة التكنولوجية الخاصة 81"، التابعة للاستخبارات العسكرية أو "وحدة استخبارات الإشارات 8200"، أجرتا بعضا من أكثر عمليات الاستخبارات تطورا على الأراضي الأجنبية"، وفق المقال.
وتابع أن "الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد أنشأت إسرائيل نموذجا لتبادل المعرفة؛ حيث سُمح لقدامى المحاربين في هذه الوحدات المتخصصة، بل وشُجعوا على إنشاء شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا بعد مغادرتهم للجيش الإسرائيلي".
اعتماد على التقنية
وقال الكاتبان الإسرائيليان إنه "بحلول مطلع القرن، أصبحت إسرائيل تُعرف بأنها دولة الشركات الناشئة والمعجزات التكنولوجية".
علاوة على ذلك، يمتلك الجيش الإسرائيلي مدرسة تدريب جديدة خاصة به للدفاع السيبراني، في بئر السبع، تحت إشراف "مديرية الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات الإسرائيلية"، لتدريب الشباب.
"وبعد التخرج، يُعين هؤلاء الشباب المتخصصون في التكنولوجيا في وحدات تكنولوجية في مختلف أفرع الجيش الإسرائيلي"، بحسب المقال.
وتفاخر الكاتبان بأن "إسرائيل تستغل إمكانات عقولها الشابة، فضلا عن خبرة المحاربين القدامى لصالحها، على نحو لا تفعله أي دولة أخرى".
وأضافا: "لقد أدى هذا التآزر المدني العسكري الفريد إلى تحويل الجيش الإسرائيلي في حقبة ما قبل عام 1990 إلى جيش متطور وعالي التقنية كما يعرفه العالم اليوم".
وختما بالقول: "فمن شارل ديغول إلى إيمانويل ماكرون، قطعت إسرائيل شوطا طويلا"، في إشارة إلى أنه بات بإمكانها الاستغناء عن الصناعات العسكرية الفرنسية.