توسيع إسرائيل للحرب.. كيف يعزز التعاون والتنسيق بين تركيا وإيران؟
تصاعد خطر انتشار الحرب بالمنطقة عزز التعاون بين تركيا وإيران
يسهم التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط في تعزيز التعاون والتنسيق بين تركيا وإيران اللتين تتفقان على ضرورة منع اتساع رقعة العدوان الإسرائيلي.
وتشهد العلاقات التركية-الإيرانية تطورات جديدة بناء على المستجدات الإقليمية؛ حيث تسهم الديناميكيات الحالية في تحديد مواقف الدولتين الجارتين.
ولكن، في الوقت الذي تقف فيه تركيا وإيران ضد احتلال إسرائيل لدول المنطقة وتصعيد عدوانها عليها، لم تغفل الدولتان عن التنافس فيما بينهما، خاصة فيما يتعلق بالوجود على الأراضي السورية التي تقول تقارير عديدة إنها ستكون الهدف التالي لإسرائيل بعد قطاع غزة ولبنان.
وأسهمت بعض التصريحات أخيرا بإثارة جدل إعلامي وسياسي بين إيران وتركيا، قبل أن يتغلب قادة البلدين على خلاف محتمل.
إزعاج إيران
وأخيرا، صرح المدير العام لشبكة "تي آر تي" التركية، زاهد صوباجي، قائلا: “نحن في وضع يوجب علينا إزعاج إيران”، دون تفصيل.
وقد أثارت تصريحاته ردود فعل قوية، ما دفعه لاحقا إلى توضيح أن العبارة في الخطاب "أُخرجت من سياقها ووُضعت في إطار مفتعل".
وأكد صوباجي أن النهج الإعلامي لقنوات "تي آر تي"، بما فيها القنوات الموجهة لدول المنطقة مثل إيران، تسهم في تعزيز العلاقات.
وفي الوقت نفسه، أثارت هذه التصريحات جدلا واسعا في طهران، حيث تناولت وسائل الإعلام الإيرانية الموضوع بشكل مفصل.
وقد أعرب رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، خلال اتصال هاتفي مع وزير الثقافة الإيراني محمد مهدي إسماعيلي عن "أسفه إزاء التصريحات التي أدلى بها المدير العام للشبكة ضد إيران".
وفي الاتصال، أكد ألتون أن "النهج الأساسي للدولة التركية هو تعزيز الصداقة مع الدولة والشعب الإيرانيين وتقوية العلاقات في جميع المجالات". كما شدد على أن "هذه التصريحات لا تعكس مواقف الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) أو الحكومة التركية".
ومن ناحية أخرى، سلط ألتون الضوء على اهتمام تركيا الكبير بالعلاقات الثقافية والسياسية القوية مع إيران، معربا عن أمله في تنفيذ مشاريع مشتركة في إطار إعلان 2025 عاما للثقافة التركية-الإيرانية.
وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، زار وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، تركيا ضمن جولة إقليمية؛ حيث التقى بنظيره التركي، هاكان فيدان. وفي هذا الإطار، شهد المؤتمر الصحفي المشترك تصريحات لافتة للنظر.
إذ صرح عراقجي قائلا: "لا نضع أي حدود لتعزيز العلاقات مع تركيا، وفي هذا السياق سنعمل على تقويتها".
وتابع: "المنطقة تواجه احتمال نشوب حرب واسعة النطاق، ولا يرغب أحد في هذه الحرب سوى النظام الصهيوني".
وبين أن "انتشار الحرب في المنطقة يمثل تهديدا خطيرا، ولذلك، نحن ندعو إلى السلام، لكننا مستعدون لأي سيناريو".
وأوضح عراقجي أن "موقف تركيا الداعم للشعب الفلسطيني والمعارض لجرائم إسرائيل يستحق التقدير".
وخلال حديثه، أكد وزير الخارجية الإيراني أن "إيران وتركيا، كدولتين ذواتي تراث ثقافي عريق، ستعملان على تعزيز روابط الصداقة والأخوة بينهما".
ولفت إلى أنه ناقش مع نظيره التركي، هاكان فيدان، قضايا التعاون في مجالات التجارة والطاقة ومكافحة الإرهاب والاستثمارات المشتركة والاستخدام السلمي للطاقة النووية.
ومن جانبه، أشار فيدان إلى التهديدات المشتركة بين البلدين، حيث قال: "اليوم، تعد تنظيمات مثل حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) وحزب الحياة الحرة الكردي (بيجاك) عدوا مشتركا لكل من تركيا وإيران".
وتابع: "بما أن تركيا وإيران تتفقان حول الأمر، فعلينا تحويل هذا الموقف المشترك إلى كفاح مشترك".
وشدد فيدان على أنه "بناء على حقوق الجوار والأخوة، يجب أن تحارب إيران وتركيا الإرهاب معا".
وفيما يخص التطورات الحالية في المنطقة، تحدث فيدان قائلا: "تحاول إسرائيل جر إيران إلى هذه الحرب، وتهدد بضرب منشآت النفط والمنشآت النووية الإيرانية. والنهج العدواني لإسرائيل يدفع إيران لاتخاذ خطوات دفاعية مشروعة".
قضية سوريا
ومن ناحية أخرى، نُشر تعليق جديد في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عبر منصة "إكس" من حساب مرتبط بقوات الحرس الثوري الإيراني، وتابع لوكالة "تسنيم"، وهو ما زاد التوتر.
وجاء في التعليق: "طُعنت تركيا من الخلف؛ إذ يخطط الإرهابيون للسيطرة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدن سوريا، ودفع البلاد نحو الانهيار الكامل".
وتابع: "وبخطة من إسرائيل وأميركا لإعادة تفعيل الجماعات الإرهابية في سوريا، تهدف تركيا إلى توسيع نفوذها وضم أجزاء منها (البلد الأخير) إلى أراضيها"، وفق وصف الحساب.
ويأتي ذلك بعد تصريح لافت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيرا، أعرب فيه عن مخاوفه إزاء ما وصفه بخطر تحرك إسرائيلي نحو دمشق، مما فتح باب التساؤلات حول تداعيات هذا السيناريو على الأوضاع الإقليمية.
وحذر أردوغان من أن أي سيطرة إسرائيلية على العاصمة السورية قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية للبلاد.
وأشار إلى أن هذا الأمر لن يقتصر على دمشق بل قد يمتد إلى الشمال السوري، مما قد يشكّل تهديدا مباشرا للأمن التركي على حدوده الجنوبية.
وشدد على ضرورة تفعيل آلية تعاون ثلاثية بين روسيا وسوريا وإيران، لافتا إلى أهمية اتخاذ خطوات "أكثر حزما" في مواجهة ما وصفه بـ"التنظيمات الإرهابية" المدعومة من الولايات المتحدة.
وذلك في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل القوة الأساسية في قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
واجتازت دبابتان إسرائيليتان الخط الحدودي الفاصل مع سوريا في 12 أكتوبر 2024، وتمركزتا في قرية كودنة بالريف الجنوبي لمحافظة القنيطرة جنوب غربي سوريا.
وترجح وسائل إعلام تركية أن إسرائيل تهدف إلى إنشاء منطقة عازلة تبدأ من سفوح الجولان وتشمل السويداء والقنيطرة ودرعا حتى التنف، وهي منطقة تتضمّن قاعدة أميركية وتقع تحت سيطرة الولايات المتحدة.
وتقول إن إسرائيل تخطط لإنشاء كيان مشابه للمنطقة التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني– قوات سوريا الديمقراطية.
وفي نفس اليوم الذي نشر فيه التعليق من الحساب التابع لوكالة تسنيم، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، العلاقات بين إيران وتركيا قائلا بأنه "ودية بين دولتين مسلمتين كبيرتين في المنطقة".
وردا على سؤال حول تصريحات مدير عام شبكة "تي آر تي"، قال بقائي: "علاقاتنا مع تركيا جيدة، ونحاول ألا تؤثر بعض القضايا سلبا عليها. وقد ناقش وزير خارجيتنا الموضوع مع المسؤولين الأتراك وحل سوء الفهم بطريقة ما".
وعند سؤاله عما إذا كان موضوع حزب العمال الكردستاني قد طُرح في المحادثات مع تركيا، أوضح بقائي أن "أمن الحدود دائما ما يكون أحد أهم القضايا، وأنه جرت مناقشات حول هذا الموضوع".
نقاط التقاء
وبدوره، يرى الخبير في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمد كوتش، أن “عملية طوفان الأقصى التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وما تلاها من عمليات إبادة جماعية إسرائيلية في غزة، دفعت البلدين إلى تبني موقف مشترك بشأن القضية الفلسطينية”.
وأكد في تصريحات لـ"الاستقلال" أن وزراء خارجية كل من تركيا وإيران يبذلون جهودا دبلوماسية مكثفة لوقف إسرائيل.
وأضاف: “من جهة أخرى، أدى تصاعد خطر انتشار الحرب في المنطقة إلى تعزيز منظور التعاون المشترك لمواجهة هذا التهديد”.
وفي هذا السياق، عززت أنقرة وطهران علاقاتهما السياسية والدبلوماسية لمواجهة التحديات الإقليمية، كما اتفقتا على توسيع التعاون في مجال تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب والمخدرات وتهريب البشر.
وفيما يتعلق بالعلاقات التركية-الإيرانية، تحدث كوتش قائلا: “أنقرة وطهران، تجمعهما مخاوف مشتركة في جميع هذه المجالات، وقد أجبرتهما محاولات إسرائيل لتوسيع نطاق الحرب في المنطقة على تعزيز التعاون”.
وفي حال تحول التوتر الإقليمي إلى صراع مباشر بين إسرائيل وإيران، فإن إعلان أنقرة أنها لن تقف إلى جانب تل أبيب ضد طهران سيعزز موقف الأخيرة في المواجهة، وفق قوله.
واستدرك الكاتب التركي: “إن عدم مساندة تركيا المحتملة لإسرائيل في حال نشوب صراع مع إيران يمثل دعما معنويا لطهران”.
كما أن تصريح وزير الخارجية هاكان فيدان بأن "تركيا وإيران ستبقيان دائما في المنطقة" هو رسالة واضحة لإسرائيل وحلفائها.
وبعيدا عن هذه الأزمة، أوضح كوتش أن "المجال الآخر للتعاون بين البلدين هو تطوير العلاقات الاقتصادية".
وفي هذا الصدد، قال: “في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها طهران، فإن لديها بعض المطالب والتوقعات من أنقرة لتقديم الدعم”.
إذ تتوقع طهران من أنقرة التعاون في توفير السلع الأساسية في السوق الإيرانية، أو تقديم تسهيلات في عبورها.
وتابع كوتش: "بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بشكل أحادي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، وفرضها سياسة الضغط الأقصى التي شملت عقوبات اقتصادية صارمة ضد إيران، أصبحت طهران في وضع اقتصادي صعب للغاية".
وأشار الخبير في الشؤون الإيرانية إلى أن "تركيا أعلنت أنها لن تعترف بالعقوبات المفروضة على إيران خارج نطاق الأمم المتحدة، وأكدت استمرار علاقاتها التجارية مع طهران".
ويتوقع أن نشهد توترا جديدا أو مفاوضات جديدة بين طهران وواشنطن، بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
في حالة تصاعد التوتر، ستزداد حاجة طهران لدعم أنقرة مجددا. أما إذا رفعت الضغوط الدولية عن إيران، فستُفتح آفاق جديدة أمام العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بحسب ما ذكره كوتش.
ومن وجهة نظره، في كلتا الحالتين، ستظل العلاقات الاقتصادية بين طهران وأنقرة ذات أهمية كبيرة.
وعلى جانب آخر، يلفت الخبير إلى أن التنافس الإقليمي بين الجانبين قد يتحول إلى مجال للتعاون في مواجهة المخاطر الإقليمية المتزايدة، أو قد يدفع الأطراف إلى تقديم تنازلات متبادلة في بعض المناطق الجيوسياسية الرئيسية ومنها جنوب القوقاز وسوريا والعراق.
ويرى أن السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما تجاه هذه المناطق تهدد مصالح أنقرة وطهران إلى حد كبير.
وهو ما قد يدفع الطرفين إلى تعزيز التعاون بشكل أكثر نشاطا في هذه الساحات، أو يفتح المجال لأحد الطرفين لتحقيق مكاسب.