محمود عباس يؤيد صراحة انتهاكات الصين ضد الإيغور.. ما المقابل؟
سلط موقع "إيه ريفرانسيا" البرتغالي الضوء على إعلان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تأييده لسياسات الصين ضد مسلمي الإيغور، خلال زيارته للصين أخيرا.
وفي 13 يونيو/ حزيران 2023، وصل الرئيس عباس إلى الصين في زيارة رسمية استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها نظيره الصيني، شي جين بينغ.
وقال الموقع البرتغالي إن "عباس أعلن تأييده للصين فيما يتعلق بالانتهاكات المرتكبة ضد الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى في منطقة شينجيانغ (تركستان الشرقية)".
ونقل التقرير ما ذكرته "إذاعة آسيا الحرة"، من أن هذا التأييد جاء في بيان مشترك وقع عليه كل من عباس وجين بينغ.
وجاء في الوثيقة أن "قضايا شينجيانغ لا تتعلق بحقوق الإنسان، ولكنها تخص مكافحة العنف والإرهاب، والقضاء على التطرف، ومناهضة الانفصال"، حسب التقرير.
وأضافت أن "فلسطين تعارض بشدة التدخل في الشؤون الداخلية للصين تحت ستار القضايا المتعلقة بشينجيانغ".
واستشهد البيان أيضا بمفهوم "الصين الواحدة"، الذي يعامل تايوان وهونغ كونغ كجزء من الصين، ويؤكد أن نظام "شي" هو "الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها".
ووفق "إيه ريفرانسيا"، فإن زيارة عباس تهدف إلى تعزيز دور الصين كوسيط مزعوم لاتفاق مستقبلي بين إسرائيل والفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، ويقعون ضحايا للعديد من القيود التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية.
تجاهل مصالح المسلمين
ومن جانبه، قال الأستاذ المتخصص في السياسة الخارجية الصينية في جامعة "هجي تبة" التركية، إركين إكرن، إن "موقف عباس، على الرغم من أنه يتجاهل مصالح المسلمين، فإنه يعد وسيلة للحصول على دعم صيني في قضايا أخرى تهم فلسطين".
وأضاف المحلل التركي أن "الفوائد التي يمكن أن يحصلوا عليها من الصين تفوق المكاسب من دعم الإيغور".
"وفي مثل هذه الحالة، تصبح قضية الإيغور -على الرغم من أنهم مسلمون- ليست أولوية بالنسبة لعباس"، وفق التقرير.
وأضاف الموقع البرتغالي أن " الزعيم الفلسطيني ليس وحيدا في اتباع هذه السياسة، حيث إن إندونيسيا -التي تمتلك أكبر تعداد للمسلمين في العالم- تتصرف بهذه الطريقة أيضا".
وهناك عدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة لم تنتقد سياسات الصين في منطقة شينجيانغ التي من المفترض أنها تتمتع بالحكم الذاتي، بل إن بعضها دعم السياسات الصينية علنا، حتى لا تنفر بكين أو تزعجها، حسب خبراء.
ففي مايو/أيار 2023، قال بن بيركاسا دراجات القنصل العام الإندونيسي في "قوانغتشو" الصينية، خلال زيارته لشينجيانغ: "إن الأنباء التي تبثها وسائل الإعلام الغربية، التي تزعم أن الحكومة الصينية تمنع المسلمين من ممارسة نشاطاتهم الدينية، ليست صحيحة".
وخلال الزيارة نفسها التي أجراها دراجات، أرسلت كل من باكستان وتركيا -وهما أيضا بلدان ذات غالبية مسلمة- ممثلين عنهما، وشملت أيضا ممثلين دبلوماسيين عن البرازيل، وفق التقرير.
وفي هذا السياق، استغل الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في شينجيانغ، "ما شينغري"، الزيارة لدعوة الدول المشاركة، للتعبير عن "أصواتهم المنصفة" ضد الاتهامات بارتكاب انتهاكات في المنطقة.
وإقليم شينجيانغ يقع في شمال غرب الصين على الحدود مع دول آسيا الوسطى، ويتشارك جذور لغوية وعرقية معها.
ويعيش في هذا الإقليم مجتمع الإيغور، وهم أقلية مسلمة ذات جذور تركية تتعرض للاضطهاد من قبل الحكومة الصينية، مع اتهامات بارتكاب انتهاكات مختلفة، وفق الموقع البرتغالي.
الاحتياج للدعم الصيني
وحسب البروفيسور التركي، فإن "السلطة الفلسطينية أصبحت أكثر اعتمادا على الصين، فهي في حاجة إلى الأموال، والتكنولوجيا، والدعم الدبلوماسي الصيني على المسرح الدولي".
وأضاف إكرن أن "قضية الإيغور لا تتماشى مع مصالح فلسطين، لذلك فإن الشغل الشاغل هنا هو مصلحتها الوطنية".
وأشار إلى أن "القادة الفلسطينيين السابقين، بمن فيهم (الرئيس الراحل) ياسر عرفات، أعربوا عن دعمهم لسياسات الصين حيال الإيغور".
وأوضح الموقع البرتغالي أن "الإيغور، البالغ عددهم حوالي 11 مليونا، يواجهون تمييزا من المجتمع والحكومة الصينية، وينظر إليهم بريبة من قبل أغلبية الهان، الذين يشكلون 92 بالمئة من الصينيين".
وأشار "إيه ريفرانسيا" إلى التقارير التي كشفت عن أن بكين تستخدم التعذيب، والتعقيم والعمل القسري، وسوء المعاملة، لتنفيذ التطهير العرقي والديني في شينجيانغ.
وفي أغسطس/آب 2022، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا مطولا يتحدث عن "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان" ارتكبت في شينجيانغ.
وحسب التقرير، فقد سلطت هذه الوثيقة الضوء على "أنماط التعذيب أو سوء المعاملة، بما في ذلك العلاج الطبي القسري، وظروف الاحتجاز المعاكسة، وكذلك الادعاءات المتعلقة بالحوادث الفردية للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي".
لكن التقرير لم يذكر كلمة "إبادة جماعية"، التي تستخدمها بعض الدول الغربية في توصيف ما يحدث في إقليم شينجيانغ، وفق الموقع البرتغالي.
وأشار إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، كانت أول من استخدم مصطلح "الإبادة الجماعية"، لوصف سياسات الصين تجاه الإيغور.
ثم بدأت المملكة المتحدة وكندا أيضا في استخدام هذا التوصيف، وانضمت ليتوانيا إليهم أخيرا، حسب الموقع.
زيادة النفوذ
وفي المقابل، تنفي الصين الاتهامات بارتكاب انتهاكات في شينجيانغ، قائلة إن إجراءاتها في الإقليم تهدف إلى التثقيف في مجال مكافحة الإرهاب.
وتدعي الحكومة الصينية أنها تتبع هذه السياسات "من أجل احتواء الحركات الانفصالية، ومحاربة الجماعات الدينية المتطرفة، التي تخطط لهجمات إرهابية في البلاد".
وأشار الموقع البرتغالي إلى أن بكين تصف التقارير التي تتحدث عن انتهاكاتها بحق الإيغور بأنها "كذبة القرن".
وحسب التقرير، فإن الإعلان المشترك لعباس وشي يأتي وسط مجموعة متزايدة من الأدلة التي توثق اعتقال ما يصل إلى 1.8 مليون من الإيغور، وآخرين في معسكرات "إعادة التثقيف".
وذكر أن خبراء يؤكدون أن "الصين تقرب الدول العربية منها لمواجهة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط".
"ففيما يتعلق بدور بكين في التوسط في اتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين، تحاول الصين إظهار نفسها كشريك موثوق به في معالجة القضايا الإقليمية، بحسب ما قاله المدير التنفيذي لمركز "تحليلات دول الخليج العربي" بواشنطن، جورجيو كافييرو.
وقال كافييرو: "إذا كان الصينيون قادرين على إحراز بعض التقدم في هذه القضية، فإن ذلك سيفعل الكثير لإرسال رسالة إلى الجهات الفاعلة الإقليمية حول فوائد التعاون مع بكين بدلا من واشنطن، عندما يتعلق الأمر بالملفات الدبلوماسية الحساسة في المنطقة".
وأضاف أن "فلسطين تعد نفسها مستضعفة في صراعها مع إسرائيل، وتثق بالصين أكثر من الولايات المتحدة -الداعم القوي لإسرائيل- كوسيط في محادثات السلام".
وتابع: "أنا متأكد من أن الإيغور سيصابون بخيبة أمل من تصريح عباس هذا، لكن القيادة الفلسطينية يجب أن تكون براغماتية بشأن كيفية تعاملها مع الحكومات الأجنبية".
وأردف أنه "في نهاية المطاف، الصين مهمة جدا لعباس، وهذه الأولوية التي تتمثل في الحفاظ على علاقاته بالصين وتطويرها، تتضمن قوله أشياء لا يحبها الكثير من الإيغور".