الأمن السيبراني ومآرب أخرى.. أبعاد صراعات الرياض وأبوظبي المستمرة
"لعبة القط والفأر" مستمرة بين السعودية والإمارات، في إطار صراعات الريادة والاستحواذ على القيادة الإقليمية للمنطقة العربية والشرق الأوسط.
ودخلت الرياض خلال الفترة الأخيرة في تحديات جديدة مع أبوظبي، حول المدينة التي ستكون مركزا سيبرانيا في المنطقة.
وبدأت جهود السعودية لتطوير قدراتها السيبرانية تثمر مقابل تراجع جارتها ومنافستها الإمارات.
وتصمم المملكة على لعب دور إقليمي أكبر، حيث تستخدم "القوة الناعمة وأيضا الصلبة" لتعزيز جهودها في استقطاب أحدث التقنيات.
تعزيزات القطاع
ولم تعد دبي محور القطاع السيبراني الوحيد في منطقة الخليج، والتي كانت تسيطر عليه لسنوات، بعد أن دخلت الرياض على الخط.
وبات واضحا ذلك من خلال المفاوضات التي جرت بين منظمي "المنتدى الدولي للأمن السيبراني" (المعرض التجاري الرائد في القطاع السيبراني الفرنسي)، والمسؤولين السعوديين.
وجاء ذلك إبان انطلاق أعمال "المنتدى الدولي للأمن السيبراني" بالعاصمة الرياض في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بحضور كبار قادة المملكة، وتحت إشراف أمير الرياض، فيصل بن بندر بن عبد العزيز.
وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2022، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات تقريرها عن قطاع الأمن السيبراني في الخليج والمنطقة العربية.وذكرت أن "قوة الدرك الفرنسية تشرف مع مجموعة شركات (أفيزا بارتنرز) الفرنسية لاستخبارات الشركات على تنظيم الدورة الحالية من معرض الأمن السيبراني".
وأوردت المجلة أن "الشركة الفرنسية تفكر في تنظيم نسخة جديدة من المعرض في الشرق الأوسط، لكنها لم تحسم بعد مكان عقدها".
وأضافت أن "الإمارات أثبتت ريادة واضحة في هذا القطاع، لكن السعودية تسعى بقوة لتعزيز قطاعها السيبراني المحلي الخاص بكل قوة، وإحداث نقلة نوعية".
واستطردت: "ترمز المعارض التجارية مثل التي تقيمها شركة (أفيزا بارتنرز) إلى معركة النفوذ السيبراني الدائرة بين دول الخليج، وهي جانب من إستراتيجية القوة الناعمة التي تستخدمها السعودية مقابل هيمنة جارتها الإمارات".
واستشهدت المجلة الفرنسية بأنه لتحدي معرض (GISEC) التجاري للأمن السيبراني في دبي، أقامت السعودية مؤتمر (Black Hat) في الرياض من 15 إلى 17 نوفمبر 2022، بالشراكة مع هيئة الترفيه، وبتنظيم من الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وشركة "انفورما" الأميركية.
وعلقت "إنتيليجنس أونلاين" بأن "نسخة السعودية هي المماثل لمؤتمر (Black Hat) الأميركي للأمن السيبراني، واحد من أكبر مؤتمرات الأمن السيبراني في العالم".
وتعطي مثل هذه الأحداث مثالا واضحا حول سياسة الرياض طويلة المدى لتعزيز دورها كمركز جديد للقطاع السيبراني في منطقة الخليج وإفريقيا.
صراع نفوذ
وفي إطار السعي الحثيث من قبل الرياض لتحقيق أهدافها، بدأت تفرض على شركات قطاعات التكنولوجيا عموما والأمن السيبراني خصوصا، الراغبة في العمل بالسعودية إنشاء مكتب تمثيلي في المملكة.
هذه الطريقة، تهدف إلى مواجهة إستراتيجيات العديد من الشركات الكبرى التي أنشأت مكتبا تمثيليا لها في دبي لخدمة السوق السعودي.
ومن المقرر أن تدخل هذه القاعدة حيز التنفيذ في يناير 2024، وقد وافقت بالفعل شركة "Trend Micro" اليابانية بتأسيس مكتبها الرئيس في الشرق الأوسط وإفريقيا في الرياض تحت إشراف معتز بن علي، الوكيل المحلي السابق لشركات "Microsoft" و"IBM" و"SAP".
كما افتتحت مجموعة "كاسبرسكاي" الروسية مكتبا لها بالرياض في أبريل/ نيسان 2022.
وفي سياق مماثل، قررت شركات أخرى مثل "الاستخبارات الأمريكية Intel) "471) إعطاء الأولوية للسوق السعودي بدلا من الإمارات التي ظلت مهيمنة، وأبرمت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، اتفاقية خاصة مع الرياض، لتعزيز التعاون.
ومع وصول السعودية المتأخر إلى القطاع السيبراني بعد سنوات من هيمنة الإمارات، بدأت صناديقها السيادية باستثمارات ضخمة ولا سيما صندوق الاستثمارات العامة، إذ يخطط ولي العهد محمد بن سلمان لإعادة تنظيم القطاع وتعزيز مركزيته.
وكما هو الحال في الإمارات، لم تنس السعودية الجانب الهجومي السيبراني من الأعمال التجارية، حيث تسعى جاهدة لتطوير القطاع السيبراني الخاص بها.
ومُنح هذا الجانب من الأعمال جزئيا لشركة "هبوب" التي تأسست عام 2018 بأمر من المستشار السابق لابن سلمان، سعود القحطاني، أحد المتهمين في قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
واستقطبت الرياض أفضل القراصنة بأمر من الديوان الملكي بقيادة صالح الحقباني، لتنفيذ عمليات الهجوم السيبراني للمملكة تحت إشراف السلطة المركزية.
أبو ظبي تقاوم
بينما تعزز السعودية جهودها لجذب قطاع الأمن السيبراني وإحداث تقدم وهيمنة، كانت الإمارات خلال العام 2022 تهتم بجانب مختلف من القطاع.
وعملت قطاعات الدفاع والأمن السيبراني الإماراتية على عكس اعتمادها على الواردات لصالح حملة التصدير.
فمن خلال شبكة الأعمال التي أنشأها مستشار الأمن القومي، طحنون بن زايد، تضع الإمارات اللمسات الأخيرة مركزة على العديد من القطاعات الاقتصادية الرئيسة، بما في ذلك القطاع السيبراني.
وأدى ذلك إلى إنشاء تكتلات مملوكة للدولة مثل مجموعة "إيدج" و"المجموعة 42" المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، مما ساعد في إعادة توجيه الإنفاق على البحث والتطوير والاستثمار خارج البلاد.
واستهدفت حملة التصدير هذه في المقام الأول البلدان في آسيا، ولا سيما ماليزيا وإندونيسيا، حيث استضافت شركة (CPX) المتخصصة في الهجوم السيبراني ورئيسها التنفيذي خالد الملحي وفدا إندونيسيا في 22 ديسمبر 2022، ثم أنشأت مجموعة "إيدج" قسما جديدا في هذا المجال للتصدير يرأسه الألماني أوليفر كريبين بيرس.
ترسانة ابن سلمان
يعطي ابن سلمان، المعروف بسجله السيئ في تتبع المعارضين ومراقبتهم وقمع الأصوات المخالفة له، الأولوية لقطاع الأمن السيبراني.
وفي سبيل ذلك، أنشأ الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، وهي هيئة حكومية متخصصة في الأمن السيبراني.
وفي 27 يناير 2020، نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تقريرها عن ترسانة السعودية السيبرانية، وقالت: "بينما استثمرت دول مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية في تطوير أسلحة إلكترونية قوية، اختارت السعودية أن تشتري المنتجات النهائية من هذه الصناعة".
وذكرت أن "الترسانة الإلكترونية في دول الشرق الأوسط تتألف في المقام الأول من أدوات تجسس وبرمجيات تسعى لتضليل الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي".
ونقلت عن العامل في قسم الأمن السيبراني بمؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي"، جون بيتمان، قوله إن "هذه الأسلحة السيبرانية المشتراة من قبل المملكة تعتبر معقدة للغاية، ولكنها محدودة النطاق".
وتابع أنه "رغم أن المملكة لديها أدوات يمكن أن تكون معقدة تقنيا، فإن الدول التي استثمرت في تطوير القدرات الهجومية والدفاعية الأصلية -مثل إيران وإسرائيل- تمتلك مجموعة أكبر من الأسلحة والتقنيات الإلكترونية".
وأشار بيتمان إلى أن "الأدوات التي تشتريها الرياض تعد وسائل فعالة لفرض سيطرتها، من خلال استخدامها لأغراض التجسس على المعارضين والصحفيين السعوديين".
واستشهدت "بلومبيرغ" أيضا برأي أندرو غروتو، وهو زميل في جامعة ستانفورد الأميركية، الذي أكد أن "السنوات الأخيرة، شهدت صعود التقنيات السيبرانية المعروضة للبيع نظرا لتطور الشركات المتخصصة في هذا المجال".
وقال إن "شراء الأسلحة الإلكترونية ليس مقتصرا على السعودية، فثمة العديد من الدول التي تسعى لشراء تلك الأسلحة مثل فيتنام والإمارات".
وأكد غروتو أن "أبوظبي تحديدا تعتمد ميزانياتها الدفاعية على التعاقد الخارجي مع ترسانات إلكترونية، بهدف المراقبة والتجسس".
سلاح خطير
وفي السياق، قال الناشط الحقوقي، مصطفى عز الدين فؤاد: "رغم الأهمية البالغة للأمن السيبراني وأنه يمثل الأمن القومي والإستراتيجي للدول، لكن يجب عدم الإغفال أنه سلاح ذو حدين يمكن أن تستخدمه الدول القمعية والأنظمة الاستبدادية في سحق المعارضين وخلق أزمات دولية".
واستذكر فؤاد في حديث لـ"الاستقلال" الهجمات الإلكترونية التي "شنتها دول حصار قطر وتحديدا السعودية والإمارات لاختراق وكالة الأنباء القطرية وهيئات حكومية عام 2017؛ لإذاعة أنباء كاذبة على أثرها بدأ الحصار الغاشم على قطر".
وتابع: "كادت الأزمة آنذاك أن تتصاعد إلى ما لا يحمد عقباه، لولا تدخل دول إقليمية كبيرة مثل تركيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي".
ولفت فؤاد إلى أن "الإمارات مثلا تستخدم برامج تجسس عالية الدقة، وفي عام 2017 صنفت كأكثر دول العالم تجسسا على الإطلاق".
واستطرد: "حتى إن منظمة هيومن رايتس ووتش و19 منظمة حقوقية وجهوا رسالة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عام 2020، احتجاجا على تولي الإماراتي أحمد ناصر الريسي، رئاسة الإنتربول، وعللوا أحد أسباب اعتراضهم بالاختراقات والانتهاكات السيبرانية الإماراتية وتتبع المعارضين، واستخدام جيش من القراصنة لهذا الأمر".
أما السعودية، يقول فؤاد، "فلا تقل خطورة وإن زادت في عهد ابن سلمان، الذي لم يخترق هواتف الصحفيين والمعارضين فحسب، بل اخترق هاتف مؤسس أمازون ورئيسها جيف بيزوس، وكذلك المعارض عمر بن عبد العزيز، والراحل خاشقجي وغيرهم".
وشدد على أنه "مثلما انتقدت المنظمات الحقوقية الدول الغربية في بيع أسلحة للسعودية والإمارات استخدمت في حرب اليمن وانتهاكات حقوق الإنسان، يجب أن تعامل تكنولوجيا التجسس وقطاع الأمن السيبراني بهذه الدرجة، وأن يخضع للرقابة، حتى لا يستخدم في حروب أو نزاعات مستقبلية متوقعة".
المصادر
- riyadh-challenges-abu-dhabi-for-regional-cyber-hub-role
- مستقبل العمل وآفاق التغيير في خضم نقاشات المنتدى الدولي للأمن السيبراني
- لمنتدى الدولي للأمن السيبراني يكشف عن تفاصيل محاوره الخمسة تحت شعار ( إعادة التفكير في الترتيبات السيبرانية العالمية
- Saudi Arabia Outsources Cyber Arsenal, Buys Spyware, Experts Say
- انطلاق أعمال المنتدى الدولي للأمن السيبراني في الرياض