سهيل الحسن.. متهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا يستعد للقتال بأوكرانيا
"بشار الأسد رسول الله في هذا الزمان"، هذه جملة موثقة بالصوت والصورة قالها العميد في صفوف قوات النظام السوري، سهيل الحسن الملقب بـ "النمر"، رجل روسيا الأول في سوريا.
والحسن شخص دموي متهم بارتكاب جرائم حرب عديدة بحق السوريين خلال العقد الأخير، ويحمل شعار "الأرض المحروقة"، كتكتيك عسكري في استعادة المدن الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
وتكاد "الفرقة 25 مهام خاصة" التي يقودها الحسن، هي الأكثر استخدما للأسلحة الروسية المتطورة في المعارك، فضلا عن دعم وإسناد مباشر من الخبراء والضباط الروس.
واختارت روسيا منذ تدخلها عسكريا في 31 سبتمبر/ أيلول 2015، لمنع سقوط نظام بشار الأسد، الحسن كشخصية عسكرية تتبع لها وتأتمر بأوامرها، فهو الضابط السوري الوحيد الذي فرزت له المخابرات الروسية حماية خاصة تتبع لها.
وخاض الحسن ومليشياته معارك مع روسيا ضد تنظيم الدولة والمعارضة السورية على مدى سنوات، وها هو اليوم يجهز عناصره ويدربهم ترقبا لأي إشارة من موسكو للتوجه نحو أوكرانيا التي غزتها روسيا فجر 24 فبراير/شباط 2022.
وبعد غياب طويل، ظهر العميد الحسن وهو يدرب عناصر مليشياته على عمليات الإنزال المظلي من الطائرات، بإشراف من الضباط الروس في البادية السورية بتاريخ 29 مارس/ آذار 2022.
وكانت الفرقة "25 - مهام خاصة"، أول من رفع الجاهزية القتالية على الأرض السورية، من قبل القوات الموالية لروسيا بعد غزو أوكرانيا.
التكوين العسكري
ولد سهيل الحسن عام 1970 في قرية بيت غانا بريف اللاذقية، من أسرة من الطائفة العلوية التي ينحدر منها رئيس النظام بشار الأسد، وتخرج في الكلية الجوية عام 1991، وتدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة عميد ركن في إدارة المخابرات الجوية.
حينما اندلعت الثورة السورية في 18 مارس 2011، كان الحسن ضابطا مغمورا برتبة مقدم في إدارة المخابرات الجوية، ولم يكن يسمع به إلا القليل من رؤسائه.
لكن العلامة الفارقة في شخصيته كانت حينما كلفه اللواء جميل الحسن مدير إدارة المخابرات الجوية سابقا بفض المظاهرات السلمية في أحياء العاصمة دمشق.
ومارس الحسن عنفا شديدا ضد المتظاهرين؛ ما دفع النظام لتعيينه رئيسا لقسم العمليات الخاصة بإدارة المخابرات الجوية، وتكليفه بمهام قمع المظاهرات بدمشق وريفها.
وخلال تلك الفترة ارتكب الحسن مجازر بحق المتظاهرين، وأمعن في تنفيذ عمليات الاعتقال والتوقيف العشوائي، والتعذيب وتكسير الأطراف في الشوارع العامة بحق المتظاهرين.
وعلى إثر زيارة سفير الولايات المتحدة في سوريا فورد إلى مدينة حماة عام 2012، جرى فرز سهيل الحسن لقمع المظاهرات في المحافظة التي شهدت أبشع المجازر خلال الفترة 1979-1982، على يد الرئيس السابق حافظ الأسد وشقيقه رفعت.
ولهذا كان اختيار الحسن لدمويته ولا سيما أن النظام كان يخشى من تمدد المظاهرات إلى أرياف حماة الشمالية والغربية التي تتصل بمحافظات الساحل السوري ذات الوجود العلوي.
ويعد الحسن أبرز المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت بأحياء حلب الشرقية عام 2016، التي راح ضحيتها نحو 1370 قتيلا في صفوف المدنيين.
يضاف إلى ذلك سجله الدموي في إلقاء البراميل المتفجرة من الطائرات المروحية على المنازل السكنية والأسواق بمناطق المعارضة، والتي أودت بحياة الآلاف من المدنيين.
ومكافأة على الانتهاكات التي ارتكبها في تلك الفترة؛ عين النظام سهيل الحسن رئيسا لفرع المخابرات الجوية في المنطقة الشمالية، التي تشمل حلب وإدلب مطلع عام 2017.
لكن نطاق عملياته لم يتوقف على تلك المحافظتين بل جرى تكليفه بشن حملة في ريف حلب الشرقي وصولا لريف الرقة، حيث أخضع مناطق واسعة في أرياف حلب وحماة وإدلب مع نهاية عام 2017.
ما أدى إلى تعيينه قائدا للقوات التي اجتاحت الغوطة الشرقية في شهري مارس وإبريل عام 2018.
وأفضت تلك الحملة إلى تهجير وتشريد عدد كبير من أبناء الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي إلى الشمال السوري بعد قتل الآلاف منهم بكل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا بما فيها السلاح الكيميائي.
مجرم حرب
ويوفر النظام للعميد الحسن التسهيلات اللازمة كافة لشن العمليات التي يجري تكليفه بها، بما في ذلك تخصيص ثلاثة مطارات عسكرية لخدمة حملته.
كما تتبع له سرية خاصة لا يفصح عناصرها عن أسمائهم أو تابعيتهم، وغالبا ما يكونون مقنعين، ولا يتلقون أوامرهم إلا من الحسن نفسه.
ويقومون عقب كل عملية عسكرية بجمع الضحايا المقتولين من المدنيين وينقلونهم بواسطة سيارات شاحنة إلى أماكن مجهولة ليتم دفنهم في مقابر جماعية لا يعرف مكانها.
ويعتبر الحسن بحسب معلومات ذكرها منشقون عسكريون عن النظام السوري، هو المسؤول المباشر عن عمليات قتل بحق السوريين خلال العقد الأخير وفق ما أكد موقع "مع العدالة" (مستقل) الذي يعنى بإحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان.
ويشتهر الحسن بإصدار أوامر الهجمات الوحشية على المدنيين، وهو وفقا لمنظمة "مع العدالة"، "يتمتع بطائفية بغيضة، وكلف بفض المظاهرات السلمية في بعض أحياء العاصمة دمشق وريفها".
أبرز مجازر الحسن: مجزرة حي مشاع الأربعين في مدينة حماة بتاريخ 24 أبريل 2012 والتي راح ضحیتھا 18 مدنيا، ومجزرة القبير في ريف حماة في 6 يونيو/حزيران 2012 والتي قتل فيها 100 مدني.
إضافة إلى مجزرة التريمسة الشهيرة في ريف حماة بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول 2012 والتي راح ضحيتها 305 قتلى جراء قصف النظام القرية بعربات الشيلكا وقذائف الدبابات والرشاشات الثقيلة.
ولدى محاولة الأهالي الفرار، حاصرهم شبيحة القرى العلوية وقتلوا عددا منهم، كما جرى اقتحام القرية من عدة محاور حيث أجهزت القوات والمليشيات التي يتزعمها سهيل الحسن على جميع المصابين واعتقلت الكثير منها.
كما يعد الحسن مسؤولا عن مجزرة حي الحميدية في مدينة حماة بتاريخ 16 يوليو/ تموز 2012، التي راح ضحيتها 51 قتيلا نتيجة القصف والإعدامات الميدانية.
إضافة إلى مجزرة زور الحيصة في حماة في 5 أغسطس/ آب 2012، التي راح ضحيتها 10 قتلى، نتيجة إطلاق النار بشكل عشوائي على البلدة.
وكذلك مجزرة الفان الشمالي في ريف حماة بتاريخ 2 سبتمبر/ أيلول 2019، التي راح ضحيتها 31 قتيلا إثر اجتياح القرية والقيام بإعدامات ميدانية.
وكذلك يعتبر الحسن المسؤول الأول عن مجزرة بلدة التمانعة بريف إدلب عام 2012، التي قتل فيها حوالي 500 مدني عندما كلف الحسن بفك الحصار المفروض من قبل فصائل المعارضة على وادي الضيف والحامدية.
ولدى وصوله إلى قرية التمانعة أمر بإطلاق النار على أهالي القرية والقرى المجاورة بداعي إضعاف الروح المعنوية لدى الفصائل التي تحاصر وادي الضيف والحامدية، ونتج عن ذلك سقوط عدد كبير من القتلى المدنيين.
أما في الغوطة الشرقية بريف دمشق، فيعد الحسن هو المسؤول المباشر عن مجازرها لكونه قائد الحملة العسكرية عليها عام 2018، التي أسفرت عن مقتل 1500 مدني.
واستخدمت فيها جميع الأسلحة المحرمة، بما فيها السلاح الكيميائي بتاريخ 7 إبريل 2018 وأسفرت عن سقوط 80 قتيلا أغلبهم من النساء والأطفال.
صناعة روسية
لقد أحدثت روسيا "الفرقة "25- مهام خاصة" ضمن تشكيلات قوات الأسد، بعدما اعتمدت تسميتها في أواخر أغسطس 2019 بدلا عن "قوات النمر" التي يقودها العميد سهيل الحسن، وسلمته قيادة الفرقة الجديدة، واستمر الدعم المالي واللوجستي والعسكري لها من روسيا.
ولاحقا برزت خلافات واشتباكات على النفوذ في بعض مناطق الساحل السوري بين قوات ماهر الأسد وسهيل الحسن، الأمر الذي أدرج تحت صراع الأجنحة الإيرانية والروسية في البلاد.
ويجمع خبراء عسكريون على أن روسيا دعمت سهيل الحسن وفرقته؛ لضمان نفوذها في المؤسسة العسكرية السورية، واحتواء نفوذ إيران العسكري بسوريا.
وتتبع روسيا تكتيكا عسكريا تعطي فيه للحسن صورا عن "معارك الحسم"، بمعنى أنها تزجه في معارك ذات ثقل على صعيد خارطة السيطرة على الأراضي السورية.
ومنها خوضه معارك ضد تنظيم الدولة التي أفضت للقضاء عليه أواخر 2017 على الضفة اليمنى من نهر الفرات في محافظة دير الزور، والتي تتمركز فيها حاليا المليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري.
كما كلفته روسيا عام 2018 بمعارك الغوطة الشرقية بريف دمشق، ثم معارك ريفي إدلب وحماة عام 2020 والتي استعادت فيها قوات الأسد حينها مدنا وبلدات كانت بيد المعارضة.
وعمدت روسيا على إشراك عناصر التسويات والمصالحات من فصائل المعارضة السورية مع النظام السوري، للقتال إلى جانب قوات الحسن.
وتروج روسيا للحسن بشكل دائم عبر الإعلام الروسي بأنه "القائد الذي لا يهزم"، إذ تهتم به قنوات روسية من ناحية تنقلاته وتركز عليه أثناء المعارك، لدرجة أن التسجيلات المصورة له تنشر في المنصات الإعلامية الروسية لا التابعة لنظام الأسد.
وكان الحسن الضابط الوحيد الذي حضر مع رأس النظام بشار الأسد حين جيء به للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم باللاذقية في ديسمبر/كانون الأول 2017.
"شطحات النمر"
تضم "قوات الحسن" أكثر من 10 مجموعات مقاتلة، منها (فوج الهادي، وفوج طه، وفوج حيدر، وقوات الطرماح المحسوبة على المخابرات الجوية، وفوج شاهين)، ومعظم عناصر هذه المليشيات من المدنيين المتطوعين بعقود، وبتمويل ودعم لوجستي من روسيا.
ويتعمد الحسن أن يظهر بمظهر الشخص "الروحاني العميق" أمام جنوده، ولهذا كانت له شطحات وجمل بعضها غير مفهوم، وتشبيهات يسم بها من يقاتل إلى جانبه.
وجذب الحسن انتباه السوريين حينما ظهر في مقابلة لتلفزيون النظام من داخل مطار كويرس العسكري بريف حلب في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2015.
وقال وقتها كلاما غير مفهوم: "على العالم كله أولا أن يعرف عدو العالم، وعلى من يدعم أعداء العالم أن يعرف أنه ليس من العالم، وإذا كان يظن من يقول غير ذلك، فلينتظر منا ولينتظر منهم، أقول منهم أعداء العالم البرهان والدليل".
وذات مرة وتحديدا في مطلع مايو/أيار 2016، وبخ الحسن محافظ حمص طلال البرازي رغم قرب الأخير من رئيس النظام بشار الأسد، وتوعده بالسجن والملاحقة من الأجهزة الأمنية، متهما إياه بالتقصير بعمله ومهامه وواجبه، وهذا ما اعتبر حينها إهانة لممثل "رئيس الجمهورية"، ونابعا من سلطة الحسن المتنفذة.
ولطالما توعد "النمر" أهالي الشمال السوري المحرر بالموت، ومنها حينما وجه "النمر" كلمة لقادة مليشياته عبر قبضة اللاسلكي، مخاطبا أهالي الشمال السوري بقوله: "وعهدا بالله العظيم وقسما بنبيه الكريم لنجعلن موتكم جوابا لمن انتظر وعبرة لمن اعتبر".
وتسبب الحسن بإعفاء وزيرة الشؤون الاجتماعية التابعة للنظام كندة الشماط، من منصبها في 18 أغسطس/آب 2015، وذلك عقب فضيحة لها بعد أيام من انتشار على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لها وهي تحتضن الحسن في مكتبة بريف حماة.
وإلى الآن يختلف السوريون حول هوية سهيل الحسن الحقيقية التي قيل إنه قتل في إحدى المعارك، وأن هناك شخصيات شبيهة له هي من تظهر على الإعلام في محاولة لإبقاء روسيا على "أسطورية القائد".
وسبق أن ظهر الحسن إلى جانب ضابط روسي، وشكر شعب روسيا، وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما قام بالهتاف هو وعناصر مليشياته بـ "شكرا روسيا".
وقبيل الهجوم عام 2018 على مدن الغوطة الشرقية التي كانت تسيطر عليها المعارضة، ظهر الحسن في مطلع مارس/آذار من العام المذكور مدعيا أن قواته ستقاتل حتى ظهور "المهدي المنتظر".
ومضى يقول: إنه "لا رجعة له لا إلى ابن ولا أم ولا أب ولا منزل، إلا أن يذل كل من يعادي بشار الأسد في هذا العالم".