بعد مقتل الأخير.. قصة اختيار تنظيم الدولة زعيما "مجهولا" من دائرة البغدادي

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

انتظر تنظيم الدولة أكثر من شهر حتى أعلن اسم زعيمه الجديد "أبو الحسن الهاشمي القرشي"، عقب مقتل الزعيم السابق "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" في 3 فبراير/ شباط 2022، بعملية إنزال جوية للقوات الأميركية في منزل كان يسكنه ببلدة أطمة بمحافظة إدلب السورية.

وعلى غير العادة تريث ما يسمى "مجلس الشورى" في التنظيم حتى أعلن اسم زعيمه الجديد في 10 مارس/آذار 2022 بخلاف الوقت الذي احتاجه في تعيين "أبو إبراهيم" وهو خمسة أيام، عقب مقتل الزعيم الأول أبوبكر البغدادي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019 إثر عملية أميركية في منزل كان يقيم فيه ببلدة باريشا شمال إدلب أيضا.

وخسر تنظيم الدولة خلال ثلاث سنوات زعيمين له، مما وضعه أمام خيار إخفاء الاسم الحقيقي الكامل للزعيم الثالث، منذ ظهور البغدادي الأول في جامع النوري في الموصل شمالي العراق في يوليو/تموز 2014، وإعلان ما تسمى "دولة الخلافة" المزعومة ونصب "نفسه خليفة".

كان تيار داخل تنظيم الدولة يدفع نحو إبقاء هوية خليفته الثالث حكرا على "مجلس الشورى" دون الإعلان عن ذلك، والاكتفاء بإصدار بيانات صوتية باسم "أمير المؤمنين"، إلا أن "التيار المؤسس" داخله رفض هذا الطرح واقترح أن يبقى اسم زعيم التنظيم الجديد معلنا.

لم يكن هذا الجدال داخل الدائرة الضيقة لتنظيم الدولة هو الوحيد، بل ترافق مع ظهور صراع لأول مرة على جنسية "الخليفة الجديد" الذي بدأ تيار يدفع بأن يكون من غير الجنسية العراقية كما هو عليه البغدادي واسمه الحقيقي (إبراهيم عواد البدري)، وأبو إبراهيم (عبد الله قرداش)، والجديد (أبو الحسن).

تسمية الزعيم

في كلمة صوتية للمتحدث الجديد باسم تنظيم الدولة "أبو عمر المهاجر" تحت عنوان "فمنهم من قضى نحبه" بثتها مؤسسة "الفرقان" التابعة للتنظيم في 10 مارس 2022، أعلن بشكل رسمي مقتل الزعيم الثاني "أبو إبراهيم الهاشمي، عبدالله قرداش" برفقة المتحدث الرسمي "أبو حمزة المهاجر" خلال عملية إنزال أطمة.

وقال "أبو عمر المهاجر" إنه جرى تعيين "أبو الحسن الهاشمي القرشي" زعيما جديدا للتنظيم من قبل "مجلس الشورى".

ونوه إلى أنه جرى "مبايعة جميع أمراء القطاعات في العالم عبر مقاطع مصورة"، مع تعيين "أبو عمر المهاجر" متحدثا باسم التنظيم.

وخلال الكلمة الصوتية قال "المهاجر" إن الكشف عن هوية الزعيم الجديد غير متاحه حاليا، ومضى يقول: "لو أمكننا لكشفنا عن اسمه ورسمه، ولكن لكل مقام مقال"، لكنه لفت إلى أن اختياره جاء بناء على وصية الزعيم السابق "أبو إبراهيم".

وفي ظل تكتيك الغموض حول هوية الزعيم الجديد التي تقصد الإعلان عنه إظهارها، رأى كثير من الخبراء أن اسمه الحقيقي سيبقى محل جدل وتكهن، طالما لم يعلن من طرف التنظيم الذي يعيش حاليا مرحلة الكمون والتشرذم.

إلا أن وكالة رويترز البريطانية نقلت في 11 مارس 2022 عن مسؤولين أمنيين عراقيين ومصدر أمني غربي، تأكيدهما أن الزعيم الجديد لتنظيم الدولة، هو الشقيق الأكبر لـ "أبو بكر البغدادي" وأن اسمه جمعة عواد البدري.

وقال أحد المسؤولين الأمنيين العراقيين، إن "جمعة متطرف انضم إلى الجماعات الجهادية السلفية عام 2003، وكان معروفا بمرافقته دائما للبغدادي كمرافق شخصي ومستشار شرعي إسلامي"، وكان منذ فترة طويلة رئيسا لـ"مجلس شورى" التنظيم المناط به توجيه إستراتيجيته واختيار الخليفة الجديد حال وفاته أو أسره.

وذكر أحد مسؤولي الأمن العراقيين اللذين تحدثا لرويترز، أن "جمعة البدري تحرك مؤخرا عبر الحدود من سوريا، حيث كان متحصنا ودخل إلى العراق".

وأضاف أن لديه شقيقين آخرين أحدهما احتجزته أجهزة الأمن العراقية لسنوات.

كما نشرت معرفات تابعة لتنظيم الدولة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورا دعائية لعدد من العناصر الملثمين، وقالت إنهم "يجددون البيعة للخليفة الجديد أبو الحسن القرشي".

ومن خلال الصور بدا أنها التقطت في البادية السورية، وأخرى في العراق والصومال ومناطق بجنوب إفريقيا.

تكتيك الخلايا

واحتفظ تنظيم الدولة منذ إعلان القضاء عليه في العراق عام 2017 بتكتيكه العسكري، المتمثل بالانتشار على شكل خلايا.

أما في سوريا فقد اتخذت خلاياه من البادية موطنا لها، وتمركزت فيها بشكل دائم عقب هزيمتها على يد قوات النظام أواخر عام 2017 وإخراجه من دير الزور والميادين والبوكمال.

ومنذ ذلك الحين قسم التنظيم البادية إلى قطاعات من أجل ضمان بقاء مجموعاته، التي زادت عقب إعلان الولايات المتحدة الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" القضاء عليه بشكل نهائي بمحافظة دير الزور في مارس 2019.

وبقي أيضا قسم منها على الضفة اليسرى من نهر الفرات في محافظة دير الزور التي تسيطر عليها قوات قسد المدعومة أميركيا.

وعقب ذلك لجأت خلايا التنظيم في العراق إلى تنفيذ هجمات على الجيش العراقي، وكذلك ضد قوات قسد بسوريا.

وفي البادية السورية التي تعد الباحة الخلفية لقواته هناك، تنفذ تلك الخلايا هجمات ضد أرتال النظام وإيران وروسيا.

وفشلت عام 2021 جميع الحملات العسكرية التي أطلقتها روسيا وإيران معا أو بشكل منفرد في "تنظيف البادية" من خلايا التنظيم.

كما تمكن تنظيم الدولة من تجميع قواه ونفذ في 20 يناير/كانون الثاني 2022 هجوما على سجن في محافظة الحسكة شمالي شرقي سوريا، يقبع فيه الآلاف من سجناء التنظيم من أسرى المعارك، والذي تديره قوات "قسد" بدعم أميركي واستطاع حينها تحقيق خرق أمني عبر تمكن عشرات السجناء من الفرار.

حلقة القيادة

ويؤكد الباحث السياسي السوري سعد الشارع لـ "الاستقلال"، أن هوية الزعيم الجديد لتنظيم الدولة "ما زالت تدور حول ثلاثة أسماء قيادية، الأول هو الملقب بـ (الأستاذ) زيد الصميدعي، من الجنسية العراقية وهو من أنشأ ديوان التعليم داخل التنظيم وكان مقربا من البغدادي".

و"الاسم الثاني أبو صفاء الرفاعي وهو من الشخصيات الغامضة والأكبر سنا في التنظيم وقد فشلت عمليات كثيرة في اعتقاله ويعتبر حاليا من العقول المحركة له".

والاسم الثالث هو جمعة عواد البدري والتي تشير بعض التقارير إلى أنه هو الخليفة الحالي وهو الشخصية التي كانت مرشحة لأن تستلم عقب مقتل البغدادي لكن جرى تنصيب القرشي (عبد الله قرداش) آنذاك، وفق الباحث.

واستدرك قائلا: "كانت هناك اعتراضات وقتها من قبل المجلس الشرعي لاستلامه وربما كانت وجهة نظرهم حينها ألا تكون ما تسمى الخلافة بذات العائلة، وكان التنظيم يمر بوضع أمني حساس لذلك رسى الاختيار على قرداش".

وذهب الشارع للقول: "إذا أثبتت التقارير أن الخليفة الجديد هو جمعة عواد البدري، فإن ذلك يدل على أن مجلس الشورى ولجنة الخلافة أرادت العودة إلى المربع الأول والمتمثل بالمجموعة الضيقة التي كانت تدير تنظيم الدولة ومن بينها البغدادي".

وألمح الشارع إلى أن "هناك خشية لدى قيادات التنظيم من حجم الاختراق الكبير داخله الذي قد يؤدي إلى انهياره بشكل كامل، ولهذا بدا أن اختيار شخصية من الدائرة الضيقة في حلقة القيادة الأولى التي لم يتبق فيها سوى شخصيات معدودة".

التمسك بالجنسية

وحول التركيز على الجنسية العراقية في تولي زعامة تنظيم الدولة، أوضح الشارع، أنه "عقب مقتل قرداش ارتفعت حدة الخلافات بين التيار العراقي وهو الأقوى والأبرز، والتيار السوري".

إذ إنه ولأول مرة يكون هناك تأييد للتيار السوري من قبل قادة التنظيم من دول الجزيرة العربية والأردنيين، والذين كانوا سابقا يميلون للتيار العراقي.

وأضاف الباحث قائلا: "لكن الآن في قضية اختيار الخليفة الثالث انحاز هؤلاء إلى التيار السوري، وسط مطالبات بأن يكون الخليفة الجديد من خارج الجنسية العراقية، لسببين".

 الأول أن الكثير من عمليات التنظيم المؤثرة هي داخل الأراضي السورية التي يعتبرونها ساحة حقيقة للمعارك لتعدد الخصوم بالنسبة لهم والمتمثلين بـ "القوات الأميركية - الجيش التركي - نظام بشار الأسد - الجيش السوري المعارض، هيئة تحرير الشام - قوات قسد - إيران ومليشياتها - روسيا ومليشياتها".

بينما في العراق تقتصر على طرفين أو ثلاثة من خصوم التنظيم بحسب وصف الباحث.

وأردف: "ثانيا أن بعض مناطق سوريا باتت آمنة أكثر لبعض قيادات التنظيم، لكن في المقابل يتذرع قادته من الجنسية العراقية بأن الخليفة يجب أن يكون عراقيا".

ويرجع ذلك حسب وجهة نظرهم بأن تأسيس التنظيم بدأ في العراق وربما ما زالت هناك بعض المفاتيح الأساسية تمتلكها الشخصيات العراقية داخل المجتمع المحلي من موضوع التجنيد والأمور المالية والتي تستطيع التحريك والتوجيه، وفق تقديره.

"الانتقام قادم"

أما فيما يخص تركيز تنظيم الدولة على اختيار زعيمه بأن يكون "قرشيا هاشميا"، فإنه وفق الباحث الشارع: "يرجع الأمر لكونها قضية شرعية دينية بحتة مشت عليها هيئة الخلافة عبر إثبات النسب إلى الرسول محمد لمن يرشح اسمه لتولي القيادة".

وبالتالي الترويج لها إعلاميا يأتي من منطلق قولهم إنها خلافة، والخليفة يجب أن يتصل بنسب الرسول ويؤكدونه بالدليل.

وحينما اختار تنظيم الدولة "عبد الله قرداش"، عمد إلى دحض جميع الادعاءات التي "شككت بقرشية زعيمه السابق على أنه تركماني الأصل".

وعلى أية حال فإن تنظيم الدولة بات حاليا يعمل في الخفاء ويتحرك وفق مصالحه التي تساعد على بقاء خلاياه المتناثرة، والتي تعتمد في البقاء على جمع الإتاوات من الأهالي وتنفيذ الاغتيالات بغية إثبات الوجود، وجمع الأموال من متعهدي حقول النفط في سوريا بشرط عدم مهاجمتها.

ويرى مسؤولون غربيون أن "بقايا تنظيم الدولة تمثل مشكلة خطيرة، كما أن خطر عودته قائم"، وفق ما نقلت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية خلال تقرير نشرته في 3 يناير 2022.

وهذا ما أكد عليه الباحث في مركز "دراسات الشرق الأوسط" التابع لجامعة لوند السويدية، عروة عجوب بالقول إن التنظيم "بات يفتقد للشخصيات الكاريزماتية لقيادته، إذ إنه فقد العديد من الكوادر التي كان من الممكن لها أن تقوده".

واعتبر عجوب في حديث لـ "الاستقلال"، أنه "على الرغم من وجود كوادر تنظيمية من جنسيات عربية مختلفة، فإن القيادة منذ مقتل أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق عام 2006 لم تخرج عن العراقيين".

ولهذا ربما أريد من اختيار الزعيم الجديد من العراق لإعطاء دلالة رمزية على أن التنظيم لا يزال موجودا وأن الانتقام قادم.

وكان المدير التنفيذي لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف أخبر مجلس الأمن الدولي في فبراير 2022 أن هناك ما يصل إلى 10 آلاف عنصر نشط لتنظيم الدولة في العراق وسوريا، يواصلون شن الهجمات بمعدل ثابت، بما في ذلك عمليات الكر والفر والكمائن والقنابل المزروعة على جوانب الطرق في كلا البلدين.