بالشرق الأوسط وإفريقيا.. هكذا تمرر "توتال" النفوذ الفرنسي عبر خطوط الطاقة
قال موقع إيطالي: إن باريس استعرضت خلال الأسابيع الأخيرة نفوذها الجيوسياسي في أعقاب توسع أنشطة عملاق الطاقة الفرنسي "توتال"، الذي يؤكد أنه "جهاز ضخم وإستراتيجي لنفوذ البلاد وخدمة مصالحها خارجيا".
وأوضح موقع "إنسايد أوفر" أن شركة توتال تشارك، على غرار جهات فاعلة أخرى، في تحديد مسارات المصالح الوطنية بينما يدير الإليزيه العملية، كما أن إبرام صفقات لشركاته متعددة الجنسيات يشكل قوة دافعة إلى الأمام من منظور "الرأسمالية السياسية".
وبحسب الموقع الإيطالي، يتجلى ذلك بوضوح في النتائج الأخيرة التي حققتها المجموعة في الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث تتحرك في إطار الخطوط المرسومة للسياسة الخارجية ما أسهم في زيادة توسعها.
وأشار "إنسايد أوفر" إلى أنه في الأسابيع الأخيرة، على وجه الخصوص، استهدفت مشاريع عملاق الطاقة الفرنسي دولتين هما العراق وأوغندا.
صفقة ضخمة
أورد الموقع أن الشركة الفرنسية حققت في نهاية أغسطس/آب 2021، إنجازا مهما بتوقيعها شراكة كبيرة مع حكومة بغداد لتطوير عقود بقيمة إجمالية 27 مليار دولار تشمل مشاريع استثمارية في قطاعات النفط والغاز والطاقة الشمسية.
ووقع الاتفاقية الرئيس التنفيذي باتريك بوياني في بغداد بحضور رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ووزير النفط إحسان عبد الجابر، معلنا عن استثمار مبدئي قدره 10 مليارات دولار.
وعلى مدار الـ25 عاما القادمة، ستعمل توتال على تعزيز الأنشطة في البلد الذي استثمرت فيه منذ عام 1924.
وستقوم الشركة ببناء خطوط أنابيب النفط والغاز، ومحطات حديثة في آبار البلاد، كما ستشغل أول محطات طاقة تعمل بالطاقة المتجددة، وستخلق فرص عمل ووظائف ذات رواتب جيدة في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، ستستثمر المجموعة في محطات لإعادة استخدام الغاز المحترق من ثلاثة حقول نفطية من أجل توليد الكهرباء باستخدام تقنيات مبتكرة، وستبدأ أيضا في بناء محطة للطاقة الشمسية لضمان إمداد محافظة البصرة الجنوبية الإستراتيجية بالطاقة الكهربائية.
ونوه الموقع الإيطالي بالقول: إن هذا المشروع الطموح يركز عليه العراق بشدة؛ من أجل تقليل اعتماد الطاقة على إيران المجاورة في مجال الغاز الطبيعي وكذلك تنويع الاقتصاد.
جاء توقيع الاتفاقية على هامش زيارة مهمة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للدولة العربية، أكد خلالها استعداد باريس لمواصلة دعم بغداد في محاربة الإرهاب حتى بعد الانسحاب الأميركي.
الأمر الذي سيمهد الطريق للقيادة الإيطالية لمهمة حلف الناتو وبالتالي إلى فضاء عمل للدول الأوروبية، ويبعث برسالة إلى إيران، يشرح "إنسايد أوفر".
وكان ماكرون قد حث في الأسابيع الأخيرة نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي خلال اتصال هاتفي، على العودة إلى المحادثات بشأن الاتفاق النووي لعام 2015 في أقرب وقت ممكن.
لكنه لم يخف استخدام إستراتيجية "توتال" التوسعية الطموحة لتوفير وسيلة غير مباشرة للضغط على طهران من خلال مساعدة بغداد على تحرير نفسها من الاعتماد على الجار المرهق، وفق تعبير الموقع الإيطالي.
واعتبر أن العملية مقامرة سياسية مهمة على جبهة العلاقات الفرنسية العراقية، وتوسع نفوذ باريس بالشرق الأوسط في مرحلة تنسحب فيها الشركات الغربية تدريجيا من العراق.
وذكر الموقع في هذا الصدد، انسحاب شركات إكسون موبيل وأوكسيدنتال بتروليوم وشل، من حقول النفط في محافظة البصرة.
وألمح إلى إمكانية أن تنضم إليها قريبا شركتا "بريتش بتروليوم" البريطانية و"لوك أويل" الروسية، جراء تواصل تعرضها للهجمات، وأيضا بسبب زيادة حالات "الابتزاز من قبل القبائل والمليشيات والمسؤولين البيروقراطيين في المؤسسات الحكومية".
قيمة جيوسياسية
وأردف "إنسايد أوفر" بأن الانسجام بين توتال والحكومة الفرنسية تعزز أكثر على بعد آلاف الكيلومترات، تحديدا في سيناريو هامشي على ما يبدو ولكن يتمتع بقيمة جيوسياسية متنامية.
يأتي ذلك بحسب الموقع على إثر تدخل باريس مؤخرا وتعزيز حضورها إلى جانب أوغند،ا بعد أن عرضت الأزمة الأمنية في شرق إفريقيا للخطر مشروع خط أنابيب النفط الخام في شرق إفريقيا (Eacop)، الممتد على طول 1500 كيلومترا تقريبا والذي سيربط البلاد بموانئ تنزانيا، وتشارك توتال في إنجازه أيضا.
ونشر ماكرون عناصر من وكالة المخابرات الخارجية (DGSE) في منطقة البحيرات العظمى وأرسل وحدات وجنودا لتدريب القوات الأوغندية المشاركة في حامية المنطقة الشرقية من جبل إلجون، على جانبي الحدود بين أوغندا وكينيا.
يأتي قرار هذا الانتشار خشية تسلل جماعات مسلحة من منطقة القرن الإفريقي ومن منطقة روينزوري الجبلية الإستراتيجية، والتي تشكل الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية ومقاطعة شمال كيفو المضطربة.
وتذكر مجلة "ستارت" الإيطالية أن الدعم العسكري الفرنسي نما أيضا في كمبالا، حيث "فازت الشركة الفرنسية المصنعة للمعدات الدفاعية Marck & Balsan بعقد مهم لتجهيز قوات الدفاع الشعبية الأوغندية (Updf) بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2021".
وخلص الموقع إلى التأكيد أن الحكومة الفرنسية توظف المصالح الاقتصادية في خدمة خطط إسقاط القوة، مستفيدة في ذلك من الإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية والمعرفة بالمناطق التي تتحرك داخلها والتي توفرها مجموعة "توتال".