فشلت سابقا.. لماذا تستعجل موسكو حسم معارك البادية السورية؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تصر روسيا على فتح معارك البادية السورية ضد تنظيم الدولة التي تتمركز فيها خلاياه منذ أربعة أعوام حيث فشلت كل الحملات العسكرية السابقة في تحقيق أي تقدم ميداني يذكر.

لكن الحملة العسكرية الجديدة ضد التنظيم في البادية كانت بقيادة رجل روسيا الأول في سوريا وهو العميد سهيل الحسن قائد "الفرقة 25".

وهي المرة الأولى التي تستدعى قوات الحسن التي تتلقى الدعم المالي واللوجستي والعسكري من روسيا لخوض معارك ضد التنظيم منذ القضاء عليه أواخر 2017 على الضفة اليمنى من نهر الفرات التي تتمركز فيها حاليا المليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري.

وتهدف حملة التمشيط لتأمين الطرق الرئيسة المارة من البادية كطريق دمشق - دير الزور، وطريق حلب - أثريا.

وبدا أن روسيا وضعت ثقلا عسكريا أكبر في هذه الحملة من خلال زجها لتشكيلات عسكرية تابعة لها إلى جانب قوات النظام السوري في قتال التنظيم على رأسها مليشيات "الفيلق الخامس" و"لواء القدس الفلسطيني" و"أسود الشرقية".

لا حسم

وتمددت خلايا تنظيم الدولة بالبادية السورية رغم إعلان واشنطن عن نهاية التنظيم بسوريا في مارس/آذار 2019 إثر عملية عسكرية شنتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم من التحالف الدولي على مناطق وجوده في مدن وبلدات خط الجزيرة في محافظة دير الزور على الضفة اليسرى من نهر الفرات.

وكانت نقطة التجمع لتلك الخلايا هي البادية على الضفة اليمنى من نهر الفرات (الشامية) والتي اتخذها التنظيم موطنا جديدا له منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017 مستغلا طبيعتها الوعرة والتي تعادل نحو نصف مساحة سوريا عقب فقدانه السيطرة على أحياء عديدة من مدينة دير الزور ومدينتي الميادين والبوكمال والقرى الواصلة بينهما.

لكن ضراوة المعارك بين تنظيم الدولة والمليشيات الروسية تصاعدت وتيرتها منذ مطلع يونيو/حزيران 2021.

إذ كثف تنظيم الدولة هجماته الخاطفة على أرتال قوات النظام السوري والمليشيات المساندة له على أربعة محاور متصلة بالبادية وتتبع لمحافظات دير الزور - الرقة - حماة - حمص.

ووثقت شبكة "الشرقية 24" مقتل أكثر من 70 عنصرا من المليشيات، وأسر تنظيم الدولة عددا من العناصر منذ مطلع يونيو/حزيران 2021، بعدما طالت الهجمات نقاط تمركزهم في البادية، واستهدف بعبوات ناسفة الأرتال المتنقلة بين طريق دمشق – دير الزور.

ولم تحقق هذه الحملة أي نتائج ملموسة على صعيد تحجيم خلايا تنظيم الدولة في البادية السورية لتضاف إلى المحاولات الفاشلة السابقة للنظام السوري بمساندة من الطيران الروسي وأبرزها الحملة الكبيرة في منطقة "الصحراء البيضاء" بالبادية أواخر أغسطس/آب 2020.

وبحسب العقيد الركن خالد المطلق المحلل السوري المختص في الشؤون العسكرية والأمنية، فإن "المنطقة الممتدة من شرق تدمر في حمص إلى غرب دير الزور وصولا إلى جنوب الرقة وشرق حماة يوجد فيها قوتان رئيستان وقوة تتغلغل بينهما".

وحدد العقيد في تصريح لـ "الاستقلال" تلك القوى وهي: "خلايا تنظيم الدولة وبعض جيش التحرير الوطني أو المقاومة الشعبية الذين يقاومون احتلال الروس والإيرانيين في هذه المنطقة، فيما الطرف الثالث هو المليشيات الإيرانية التي تحارب القوات الروسية بأساليب التنظيم".

وأشار الخبير العسكري إلى أن "روسيا لها قوة جوية مؤثرة لا تحسم المعركة على الأرض"، مبينا أن "زج ما يسمى النمر سهيل الحسن الذي تنخرط في صفوف قواته عناصر التسويات والمصالحات في معارك البادية السورية يعود لأمرين".

 أولا: "أنه بعد هجوم ضد القوات الروسية ومليشياتها المتمثلة بالفيلق الخامس تبين أن من يقف خلفها إيران عبر الحرس الثوري الذي نفذ العملية بلباس تنظيم الدولة وبالتالي تحاول موسكو الحد من ألاعيب طهران لمحاربتها في سوريا والضغط عليها لأسباب سياسية".

والثاني وفق العقيد هو "الحد من عمليات تنظيم الدولة في المنطقة ومنعه من الوصول إلى آبار النفط والغاز الموجودة في البادية".

وعزا المختص بالشؤون الأمنية صعوبة الحد من عمليات التنظيم إلى "وعورة البادية السورية والتي تشبه مناطق تورا بورا في أفغانستان إذ تحتوي على مغارات تصلح لدخول 20 سيارة، إضافة لتحصينات أعدها التنظيم وأعاد ترتيبها منذ أن كان مسيطرا على تدمر عام 2017".

استثمار "النمر"

وتقف أسباب عدة وراء عودة روسيا لاستثمار سهيل الحسن في معارك البادية السورية وهو الذي غادرها أواخر عام 2017، بعد زج مليشياته في معارك القضاء على تنظيم الدولة على الضفة اليمنى من نهر الفرات الممتدة من دير الزور مرورا بالميادين وصولا للبوكمال الحدودية مع العراق.

وهذا ما دلل عليه المحلل السوري معن الشريف بقوله إن "إسناد الحملة العسكرية على البادية السورية ضد تنظيم الدولة لسهيل الحسن هي متعلقة بالترويج الدائم له عبر الإعلام بأنه القائد الذي لا يهزم".

أردف في تصريح لـ "الاستقلال": "لكن الحقيقة هو يعتمد على سياسة الأرض المحروقة وهذا ما شهدته الوقائع في المعارك التي كلفته بها روسيا سواء في دير الزور عام 2017 أو الغوطة الشرقية 2018 أو في ريفي حماة وإدلب عام 2020".

واهتمام روسيا بشخصية "سهيل الحسن" دفعها لفرز حماية خاصة له من قوات "فاغنر" يرافقونه في المعارك وفي تنقلاته.

وكان الحسن الضابط الوحيد الذي حضر مع رأس النظام بشار الأسد حين جيء به للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم باللاذقية في ديسمبر/كانون الأول 2017.

وسهيل الحسن هو عميد ركن في إدارة المخابرات الجوية التابعة للنظام السوري ويلقب "بالنمر"، ولد عام 1970 وينحدر من قرية بيت غانا بريف اللاذقية.

يشتهر بإصدار أوامر الهجمات الوحشية على المدنيين، وهو رجل روسيا الأول في سوريا ويتبع لها وتعتمد عليه في العمليات العسكرية المفصلية.

ووفقا لمنظمة "مع العدالة" التي تسعى إلى إحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وسوريا، فإن الحسن "يتمتع بطائفية بغيضة وكلف بفض المظاهرات السلمية في بعض أحياء العاصمة دمشق وريفها".

بيئة نفطية آمنة

ولتنظيف البادية السورية من خلايا تنظيم الدولة أهمية اقتصادية لروسيا نظرا لتوقيع شركات روسية ومحلية عقودا طويلة الأجل مع النظام السوري لاستثمار حقول النفط والغاز في دير الزور وحمص.

وآخرها تسليم القوات الروسية مليشيا "القاطرجي" في 26 فبراير/شباط 2021 حقلي "التيم" و"الورد" للنفط الخاضعة لسيطرتها في دير الزور لاستثمارها لمدة 5 سنوات. 

ويبدو أن تكتيك حماية قوافل النفط التابعة لشركة القاطرجي والقادمة من مناطق قوات قسد إلى مناطق النظام السوري من هجمات تنظيم الدولة عبر مرافقة مروحيات للنظام لها بات مكلفا.

وبالتالي فإن روسيا على الرغم من أنها ضمنت عقود الاستثمار بمجال النفط والغاز السوري في جيبها؛ إلا أن حماية خطوط النقل بات الهاجس الأكبر لها.

لذلك فإن روسيا تسعى لتأمين بيئة آمنة بالقرب من تلك الآبار والطرق الموصلة إليها، لتبدأ بعمليات الإنتاج وتحصيل الأرباح من العقود بعد انتهاء الحرب بسوريا.

وهذا ما أكد عليه الشريف من أن استكمال وتوسيع روسيا عملية التمشيط والتي بدأتها منذ حوالي 3 أشهر في البادية: "مرتبطة برغبة موسكو في تأمين حقول الغاز والنفط التي تسيطر عليها سواء حقلي التيم والورد بدير الزور وحقلي شاعر وتوينان، والتي يبدو أن لدى موسكو نية تفعيل تلك الحقول وزيادة إنتاجها".

وأشار الشريف إلى أن "العملية الجديدة لن تسهم في تقطيع أوصال البادية ذات المنبع اللوجستي الكبير لتنظيم الدولة لكونها ممتدة مع الحدود العراقية وصولا إلى صحراء الأنبار التي تتموضع في جيوب كبيرة للتنظيم".

وذهب المحلل إلى أن "تركيز روسيا على فتح معارك البادية هي رسالة للمجتمع الدولي حول خطر تنظيم الدولة على الملف السوري وذلك بهدف كسب مزيد من المماطلة في العملية السياسية ولفت الأنظار إلى عودة نشاط التنظيم".

وبين أن "روسيا لوحدها لن تستطيع القضاء على مجاميع تنظيم الدولة في البادية السورية وذلك لعدم وجود مناطق مواجهة مباشرة حيث يعتمد التنظيم على تحركاته ضمن مساحات جغرافية واسعة تمكنه من القدرة الكبيرة على المناورة والتخفي".

وأشار إلى أن "روسيا اليوم تعول على تأمين الطرق الرئيسة لنقل البضائع وصهاريج النفط بين المحافظات التي لتنظيم الدولة قدرة على تعطيل تلك الحركة انطلاقا من البادية التي تربط محافظات دير الزور – حمص – حماة- الرقة".

وتتشاطر كل من الولايات المتحدة وروسيا المخاوف من انبعاث تنظيم الدولة مرة ثالثة.

 إذ حذر قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، في 8 فبراير/شباط 2021 من ذلك بقوله: "تنظيم الدولة سيستمر على شكل تمرد، وسيحاول تجديد نفسه في الشرق الأوسط وخارجه، وتطوير أهدافه"، بحسب موقع "الحرة".

كما قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، في 16 فبراير/شباط 2021، إن روسيا تسجل وجود عملية تنشيط محددة، للخلايا النائمة لتنظيم الدولة في البلاد.