المغرب قد يوقف أنبوب الغاز بين الجزائر وأوروبا.. الأسباب والنتائج

12

طباعة

مشاركة

لاعتبارات موضوعية، سجل المغرب خلال 2020 انخفاضا بنسبة 55 بالمئة في إيرادات أنبوب الغاز الطبيعي الجزائري المار عبر أراضيه نحو أوروبا، وسط شكوك بشأن إمكانية تجديد "اتفاقية الأنبوب" التي أوشكت على الانتهاء.

وأشارت الأرقام الصادرة عن إدارة الجمارك والضرائب (حكومية)، ضمن التقرير السنوي لـ2020، إلى أن الانخفاض في إيرادات هذا الأنبوب قدرت بنحو 454 مليون درهم (نحو 51 مليون دولار).

وكانت هذه الإيرادات، وفق موقع "هسبريس" المغربي، قد سجلت سنة 2018 حوالي 1.5 مليار درهم (الدولار يعادل نحو 9 دراهم)، وفي سنة 2019 انخفضت إلى 1 مليار درهم، لتنخفض إلى 500 مليون درهم عام 2020.

ويرتبط انخفاض إيرادات المغرب من الأنبوب، بتراجع مبيعات الجزائر من الغاز الطبيعي نتيجة جائحة كورونا، فضلا عن انخفاض الأسعار مقابل وفرة العرض في السوق العالمية لهذه المادة الحيوية.

وتوقع الموقع أن ينتهي العمل باتفاق أنبوب الغاز بين الجزائر والمغرب وإسبانيا والبرتغال خلال 2021، ويرتقب أن يجري التفاوض من أجل اتفاق جديد؛ لمواصلة العمل به بين الجزائر والجانب الأوروبي.

رفع القدرة

وفي عام 2011، وقع المغرب عقدا مدته 10 سنوات مع شركة "سوناطراك" لاستيراد 640 مليون متر مكعب من الغاز عبر خط الأنابيب الجزائري الممتد إلى إسبانيا، في حين أثيرت شكوك بشأن إمكانية تجديد العقد.

ويمتد خط أنابيب الغاز "بيدرو دوران فارال" من الجنوب الجزائري لمسافة 1620 كيلومترا، ويصل طول القسم الجزائري 515 كيلومتر، ويسير من حقل "حاسي الرمل" إلى الحدود المغربية.

الخط الجزائري ملك لمجمع سوناطراك الحكومي، أما القسم المغربي الذي يصل طوله 522 كيلومترا فتملكه الحكومة المغربية ويسير مناصفة بين شركة إسبانية وتشيكية ومغربية.

يوفر الأنبوب الغاز لإنتاج الكهرباء من محطتين لتوليد الطاقة في المغرب، تولدان 17 بالمائة من إنتاج الكهرباء، كما يحتضن المغرب 4 مراكز صيانة خاصة بالأنبوب، وينتظر أن ينتهي العمل باتفاق أنبوب الغاز بين الجزائر والمغرب وإسبانيا والبرتغال خلال 2021، ويرتقب أن يجري التفاوض من أجل اتفاق جديد لمواصلة العمل به بين الجزائر والطرف الأوروبي.

في 6 مايو/أيار 2021، دشن وزير الطاقة والمناجم الجزائري، محمد عرقاب، أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإسبانيا، ويعد الخط الثاني، بعد أنبوب الغاز المار عبر المغرب، وفق صحيفة "الشروق" الجزائرية.

ونقلت الصحيفة عن وزير الطاقة الجزائري السابق، مصطفى قيطوني، قوله في أكتوبر/تشرين الأول 2018، إن امتلاك الجزائر أنبوب غاز “ميد غاز”، أتى لرفع قدرة تصدير الغاز الجزائري نحو القارة الأوروبية؛ إما صوب إسبانيا مرورا بالمغرب وإما صوب إيطاليا مباشرة، مؤكدا أن "السلطات الجزائرية لم تفكر قط في وقف التعاون مع المغرب".

في نفس السنة، أكد المدير العام السابق لمجمع سوناطراك، عبد المجيد عطار، للصحافة أن الأنبوب الإضافي الذي أنشأته الجزائر ليدعم الخط الحالي إنما هو مجرد ضمان لإيصال مستمر للغاز الطبيعي لأوروبا في حال وقع أي إشكال مع الخط الأول (الذي يمر عبر المغرب).

وأوضح لوسائل إعلام دولية أن "هناك من أخطأ القراءة حينما ظن أن الأنبوب الجديد سيغنينا عن ذلك الذي يمر عبر المغرب وأننا لن نجدد معهم اتفاقية الخط الأول"، قبل أن يضيف "الخط الثاني الذي يسمى ميد غاز مجرد دعم للخط الأول يضمن لنا خدمة زبنائنا في أوروبا".

أهداف "ميدغاز"

في مارس/آذار 2021، أقر الاتحاد الدولي للغاز بـ"مصداقية" الجزائر وشركتها النفطية "سوناطراك" في إمداد القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي والمسال طوال الأعوام الـ50 الماضية.

وأثنى على التزام الجزائر بعقودها لتوريد الغاز لشركائها الأوروبيين، مؤكدا بأن ذلك ساهم في ضمان أوروبا "دافئة وصناعية ومزدهرة".

لكن الواقع أن صادرات الغاز الجزائري تراجعت في 2020 بنحو 4.7 بالمئة بفعل تراجع الطلب من أوروبا والمنافسة من إمدادات أميركية أرخص وجائحة كورونا، وبلغت 40 مليار متر مكعب بقيمة إجمالية بلغت 7 مليارات دولار.

وتهدف الجزائر، بحسب تقارير صحفية، من خلال هذا الأنبوب الغازي الضخم إلى تحقيق 4 أهداف إستراتيجية، أولها تعزيز قدرة تصدير الغاز الطبيعي عبر أنبوب "ميد غاز" بين الجزائر وإسبانيا، ومنح "سوناطراك" مرونة أكبر في عمليات الربط والنقل عبر الأنابيب، ثم تأمين المنطقة الغربية من الجزائر بالغاز.

رابع الأهداف وأبرزها، هو تعزيز مكانة "سوناطراك" كشريك موثوق به عند شركائه الأوروبيين في مجال الغاز، حيث تواجه منافسة شديدة بعد دخول قوى نفطية أخرى بـ"الغاز الرخيص" على غرار روسيا والولايات المتحدة وقطر وأستراليا.

استقرأت صحف مغربية من الخط الجديد محاولة من الجزائر استغلال الأزمة الجدية بين المغرب وإسبانيا، لربط خط تصدير مباشر مع الأخيرة، في حين يحظى الغاز الجزائري باهتمام دول أوروبية ترتبط بعقود إمداد نحوها تستمر إلى سنة 2030.

تجديد العقود

تعتبر الجزائر حاليا ثاني مورد للغاز إلى أوروبا بعد روسيا، بكميات بلغت عام 2020 أكثر من 36 مليار متر مكعب، حسب أرقام رسمية لشركة "سوناطراك".

وصدرت أكثر من 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي؛ بينما بلغت صادرات الجزائر نحو أوروبا، 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال "LNG" في 2019.

وأنتجت نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز خلال 2019، وفق بيانات "سوناطراك"، صدرت منها ما يفوق 51 مليار متر مكعب نحو الخارج.

وترتبط الجزائر بأوروبا عبر 3 أنابيب تعبر البحر الأبيض المتوسط، الأول يمر عبر تونس إلى جزيرة صقلية الإيطالية، والثاني عبر الأراضي المغربية وصولا إلى إسبانيا، والثالث عبر "ألميريا" جنوب إسبانيا.

وجددت الجزائر عقود توريد الغاز الطبيعي المسال لتركيا، عبر شريكها "بوتاش" حتى 2024، بكميات سنوية تقدر بـ 5.4 مليارات متر مكعب، ووقعت "سوناطراك" عقد تجديد عقود توريد الغاز لشركة "ناتيرجي" الإسبانية، اعتبارا من 2019، لمدة 10 سنوات بكميات تقدر بـ 8 مليارات متر مكعب سنويا.

وفي 2019 قامت سوناطراك، بتجديد عقود توريد الغاز نحو إيطاليا لكل من شركة "إيني" لمدة 10 سنوات بكميات تصل 10 مليارات متر مكعب سنويا، و"إينال" لمدة 8 سنوات بكميات تصل 3 مليارات متر مكعب كل عام.

وجاء الدور على شركة "إديسون" الإيطالية التي بدأت باستيراد الغاز الجزائري لـ8 سنوات اعتبارا من 2020، بكمية تقدر بمليار متر مكعب كل عام.

شملت تجديد العقود أيضا، البرتغال، من خلال شركة "غالب" التي ستستورد الغاز الجزائري لمدة 8 سنوات بكميات تبلغ 3 مليارات متر مكعب سنويا.

وحذت "إنجي" الفرنسية حذو بقية شركاء سوناطراك في أوروبا، إذ جددت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عقود استيراد الغاز المسال من الجزائر لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد، بكميات تقدر بـ1.7 مليار متر مكعب سنويا.

كما تم تجديد عقد تزويد الشركة الفرنسية "إنجي" بالغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب من خلال إيطاليا أو إسبانيا، لمدة 3 سنوات بكميات تصل 500 مليون متر مكعب سنويا.

وباشرت الجزائر بإدخال تعديلات على إستراتيجيتها التسويقية للغاز في أوروبا والعالم، والابتعاد أكثر عن العقود طويلة المدى التي تقلصت من 25 و20 سنة إلى 10 سنوات كحد أقصى.

وفي 2018 أعلنت "سوناطراك" نيتها اعتماد سياسة تسويقية جديدة والتخلي تدريجيا عن عقود تسويق الغاز الطويلة المدى.

من الخاسر؟

من الناحية الاقتصادية، يقول المحلل الاقتصادي المغربي، المهدي فقير، لـ"الاستقلال": "لا يمكن الجزم، إن كان عدم تجديد الاتفاق سيعود بخسائر على المغرب، لكن إذا قررت الجهة السيادية في المملكة ذلك، فهي بالتأكيد لها التقديرات والحسابات التي تسمح لها بعدم التجديد".

وأضاف: "يبقى الأمر مرهونا بسيادية الدولة وأجهزتها، لا أتنبأ بأن تكون للقرار إشكالات اقتصادية، فمنظومة التزويد بالغاز تغيرت كثيرا من التسعينيات إلى الآن، إذ أصبح فيها عدد من المتدخلين والشبكات، والمغرب لا يعتمد الآن على مصدر واحد فقط، بل هناك سوق دولية".

وتابع فقير: "قد يكون توقيف الاتفاقية فرصة لتنويع الشركاء، والتركيز على عمليات التنقيب التي ينخرط فيها المغرب ومدى قابليتها للاستغلال بأقل كلفة". 

واستبعد الخبير الاقتصادي أن يكون "المغرب في المستقبل منافسا للجزائر في مجال تصدير الغاز"، موضحا أنه "إذا ثبت في وجود احتياطيات غاز في المملكة، فإنها ستوجه بالأساس إلى السوق المحلية".

وأفاد فقير بأن "فتح أنابيب لتصدير الغاز إلى الدول الأوروبية يحتاج إلى استثمارات ضخمة يوجهها المغرب إلى مشاريع أخرى، وقد تكون كلفة الاستيراد أوفر، إلى جانب ما ينطوي عليه الأمر من حساسيات سياسية وإقليمية".

من جهته، قال بروفيسور الاقتصاد الجزائري، فارس مسدور: إن "سوق الغاز هو سوق واسع وكبير في العالم، وبالتالي فنقله إما يكون عن طريق العبارات أو الأنابيب، والإشكال الآن هو أن الاتفاق الأوروبي الجزائري يتم عن طريق الأخيرة، لكن انتهاء الاتفاق أو إيقافه لا يعني انتهاء السوق الجزائرية، إنما توجد بدائل".

وشدد مسدور في حديث لـ"الاستقلال"، على أن "الجزائر لا تبيع للاتحاد الأوروبي فقط، بل هو واحد من أهم زبائنها الذي تتنافس مع قطر على التصدير له".

وأوضح أن "هناك خيارات كثيرة لتسويق الغاز الجزائري، والخلاف القائم بين المغرب والجزائر لن يحول دون تجديد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي".

وأكد مسدور أن "البلدين يفصلان بين الخلاف الدبلوماسي السياسي بينهما (حول إقليم الصحراء)، والاتفاقيات الاقتصادية التي يستفيد منها الطرفان". 

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن "الجزائر تحاول تنويع مصادر تمويلها، باعتبار توفرها على ثروات طبيعية كثيرة جدا والغاز واحد من أهمها، في حين يوجد ما هو أهم منه، كالمعادن الثمينة المستخدمة في الصناعة، وغيرها من الثروات المنجمية التي اكتشفت وأخرى يجري التنقيب عنها".

واستبعد البروفيسور مسدور أن "يكون الأمر أداة ضغط على الجزائر، باعتبار أن الخيارات متوفرة، وليست هناك وحدوية للتوجه نحو الاتحاد الأوروبي، إنما يمكن تسويق الغاز للعالم بأسره، وخاصة الدول التي تستخدمه للضرورات الصناعية (في إشارة إلى الصين)".