عكرمة صبري.. خطيب "الأقصى" الذي قاوم التطبيع والتهويد والاحتلال

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع حلول أسبوع القدس العالمي، وتحديدا يوم 10 مارس/ آذار 2021، داهمت قوات كبيرة من شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "الموساد" منزل الشيخ عكرمة صبري، إمام وخطيب المسجد الأقصى، بمدينة القدس المحتلة، واعتقلته واتجهت به إلى إحدى مراكز التحقيق التابعة لها، موجهة إليه تهمة إحياء ذكرى ليلة الإسراء والمعراج. 

ومع بداية حدوث دعوات للتدخل ولمكانة الشيخ الرفيعة دوليا، أفرجت سلطات الاحتلال عنه في نفس اليوم، وهو ما دعاه للتصريح قائلا: "حصل اقتحام لبيتي، بدون أدب، من قبل القوات الخاصة والمخابرات، وطلبوا مني أن أرافقهم إلى (مقر) المسكوبية".

وأكد أن "التهمة التي وجهت لي تافهة، وهي أنني سأشارك في احتفال ديني بمصلى باب الرحمة (بالمسجد الأقصى) وكان جوابي هو أن هذا الباب جزء من المسجد، وهو الآن مفتوح للصلاة".

وأوضح: "قالوا لي إنني بقرار المشاركة، خالفت قرار محكمة إسرائيلية بإغلاقه، وأجبتهم مرة أخرى بأن باب الرحمة جزء من المسجد الأقصى، وهو ما زال مفتوحا للصلاة".

الشيخ عكرمة صاحب الـ 82 عاما قضى جل حياته في خدمة الحرم القدسي، وحمل لواء العلم وانطلق ضد محاولات إسرائيل محق هوية الأقصى الإسلامية، والسعي إلى تهويده، ولم يترك مؤتمرا ولا محفل دولي إلا وكان على رأس المنددين والمساهمين في وقف تلك العمليات، وكثيرا ما أقدمت أجهزة الاحتلال الإسرائيلي على اعتقاله والتنكيل به. 

وهب للعلم 

ولد عكرمة سعيد عبد الله صبري، عام 1939 لعائلة عريقة عاشت في أكناف بيت المقدس، اهتمت بالعلم والدين، ووهبت عكرمة لذلك المسار منذ مهده، فوالده الشيخ سعيد صبري، شغل منصب قاضي بيت المقدس، وعضو محكمة الاستئناف الشرعية، وعضو مؤسس للهيئة الإسلامية العليا في القدس. 

حصل الشيخ عكرمة صبري على شهادة إتمام الدراسة الثانوية، من المدرسة الصلاحية بمدينة نابلس بالأراضي المحتلة، بعدها انطلق إلى العراق، وفي عام 1963، حصل على درجة البكالوريوس في الدين واللغة العربية من جامعة بغداد. 

لاحقا أتم دراسته ليحصل على شهادة الماجستير في الشريعة من جامعة النجاح الوطنية في نابلس (واحدة من أهم وأكبر المدن الفلسطينية) عام 1989، بعدها حصل على شهادة الدكتوراة (العالمية) في الفقه العام من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر بمصر عام 2001، وكان موضوع رسالته "الوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق". 

لم تنصب الحياة العلمية للشيخ عكرمة صبري على التعليم داخل الجامعات ومؤسسات التعليم الرسمية فقط، بل تتلمذ على يد مجموعة علماء أجلاء، إضافة إلى والده المرحوم الشيخ سعيد صبري الذي ترك أثرا في شخصيته، ومن أبرز هؤلاء العلماء، الشيخ العلامة مصطفى الزرقا، والشيخ معروف الدواليبي، والدكتور محمد حسين الذهبي، والشيخ ياسين الشاذلي.

بدأ الشيخ عكرمة صبري حياته العملية مدرسا في ثانوية الأقصى الشرعية بمدينة القدس (المعهد العلمي الإسلامي سابقا).

 وبعد نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، تولى إدارة المدرسة التي انتقلت من مقرها في بناية المدرسة التكزية بعد أن استولت عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى بناية دار الأيتام الإسلامية في البلدة القديمة بالقدس قبل أن تنتقل إلى أروقة المسجد الأقصى المبارك عند باب الأسباط.

وقد أظهر وجودا بارزا خلال عمله في ثانوية الأقصى الشرعية حيث برزت أنشطة المدرسة، وأصبحت رائدة لدور القرآن الكريم في القدس وضواحيها، وكانت أول دار للقرآن الكريم، أسسها عام 1972. 

ومن المناصب التي تولاها عكرمة صبري، عمله كمدير للوعظ والإرشاد في الضفة الغربية، ومديرا لكلية العلوم الإسلامية في أبو ديس، ومفتيا عاما للقدس وضواحيها والديار الفلسطينية.

وساهم بطريقة لافتة في الفعاليات العلمية والاجتماعية في بلاده المحتلة، فهو مؤسس هيئة العلماء والدعاة في فلسطين عام 1992، ورئيسها ورئيس مجلس الفتوى الأعلى في فلسطين، وخطيب المسجد الأقصى المبارك.

 وهو عضو مؤسس في رابطة مؤتمر المساجد الإسلامي العالمي بمكة المكرمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو عضو مؤسس لمجمع فقهاء الشريعة بأميركا، كما انتخب رئيسا للهيئة الإسلامية العليا في القدس عام 1998.

ومن تراثه العلمي الفريد، مؤلفه "مذكرات في الحديث"، الذي يحوي ثلاثة أجزاء وكانت مقررة لسنوات طويلة على طلبة المدارس الشرعية في الضفة الغربية.

 ومن أبرز كتبه، (أضواء على إعجاز القرآن الكريم - الإسلام والتحديث - التربية في الإسلام - الإسلام ورعايته للبيئة - ارحموا أهل الأرض - المنتقى من أحاديث المصطفى).

هذا بالإضافة إلى كتاب (اليمين في القضاء الإسلامي)، وهو عبارة عن رسالة نال بها درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية، وكتاب (الوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق) والذي كان عبارة عن أطروحة الدكتوراه، وكتاب (فتاوى مقدسية) ذائع الصيت، وغيرها من المؤلفات.

وله أربعون بحثا في موضوعات متنوعة سبق أن قدمت من خلال المؤتمرات والندوات الكبرى في جميع أنحاء العالم. 

مواقف راسخة 

اتخذ الشيخ عكرمة صبري من قضية وقف عمليات تهويد المسجد الأقصى، عقيدة راسخة بالنسبة إليه، وظل على رأس الأصوات الداعية إلى إنقاذ الأقصى.

وتصدى خلال سنوات طويلة لمحاولات سلطة الاحتلال الإسرائيلي، إسكات صوت الأذان في مساجد القدس المحتلة، ووقف بقوة ضد القرار غير المسبوق بإغلاق باحات الأقصى أمام المصلين.

وفي يوم 18 يوليو/تموز 2017، أصيب الشيخ عكرمة صبري، برصاصة مطاطية بعد أن هاجمت قوات الاحتلال آلافا ممن أدوا صلاة العشاء في منطقة باب الأسباط بالقدس المحتلة، فيما كان يواصل المقدسيون أداء الصلوات حول بوابات المسجد الأقصى، رفضا للدخول من البوابات الإلكترونية التي نصبتها حكومة الاحتلال. 

وناشد آنذاك الفلسطينيين من البحر إلى النهر أن يشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى ويصلوا حيث يمنعون، وقال "نحن لا نتعامل مع بوابات الاحتلال ولا يجوز الوصول إلى الأقصى من خلالها".

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2020، أفتى بأن من يردد النشيد الوطني الإسرائيلي آثم، مشيرا إلى أن ترديد البعض في دولة الإمارات لهذا النشيد يعد صهينة أو جهلا. 

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2020، في حدث تاريخي، أم صبري، صلاة الجمعة في مسجد "آيا صوفيا" بمدينة إسطنبول بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكبار قادة الدولة الأتراك.

وفي 19 أغسطس/ آب 2021، أعلن ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﻜﺮﻣﺔ ﺻﺒﺮﻱ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺱ، ﻭﻫﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺟﻌﻴﺔ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻣﻘﺪﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺍﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ﺭﻓﻀﻪ ﻭﺭﻓﺾ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻊ ﻣﻊ ﺍﻻﺣﺘﻼﻝ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ، ﻣﻌﺘﺒﺮﺍ ﺃﻥ ﺃﻱ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ الأقصى ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻊ "ﺗﻌﺪ ﻣﺸﺒﻮﻫﺔ".

كما أفتى من قبل بأن أجر الصلاة على الحواجز الصهيونية المؤدية إلى الأقصى هو بذات الأجر داخل المسجد نظرا لوجود مانع سببه الاحتلال، واعتبر أن البوابات الإلكترونية مثلت جس نبض لمعرفة ما إذا كان اليهود قادرين على إدارة المسجد ويتحكمون بالداخل والخارج، ويكون لهم سلطة قرار الإغلاق والفتح.

وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، دعا صبري أن يكون "يوم الجمعة يوم غضب نصرة للنبي محمد وتعبيرا عن الاحتجاج والرفض لمحاولات الإيذاء بحقه"، ردا على الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون التي أقرت رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي.

وأعلن حينها أن "المسلمين يرفضون الرسومات المسيئة للنبي محمد، وسيعبرون عن رفضهم لهذه التجاوزات غير الحضارية"، وأضاف أن تلك "الرسومات تتعارض مع حرية الكلمة وحرية الرأي والتعبير، على خلاف ما يدعون، وهي في الحقيقة استهزاء وسخرية".