انتصارات كاذبة.. لماذا أعلنت حكومة العراق الجديدة 4 إنجازات وهمية؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ تسلم مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، تتوالى إعلانات الأجهزة الأمنية عن تحقيق إنجازات أمنية مؤثرة، تنسب في أغلبها إلى جهاز المخابرات الوطني الذي كان يرأسه الرجل ذاته قبل وصوله إلى سدة الحكم، ليتبين لاحقا أنها كانت ذات أهداف دعائية.

تصنيف تلك الإنجازات على أنها دعائية كشفتها جملة من المعطيات والتناقضات، إضافة إلى أن البعض منها جرى تفنيدها بشكل رسمي من قبل جهات خارجية، فضلا عن وصفها من قبل عدد من الناشطين العراقيين بأنها "فعاليات وهمية"، أرادت السلطات العراقية تبنيها.

وكان لافتا أيضا أن جميع العمليات النوعية التي أعلنتها السلطات العراقية وأثمرت عن مقتل أو اعتقال مطلوبين، أنجزت خلال مدة زمنية قصيرة في شهر مايو/ أيار 2020، وذلك بعد أيام قليلة من تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة.

وترصد صحيفة "الاستقلال" هنا أبرز تلك العمليات الأمنية التي أعلنت السلطات العراقية أنها حققتها، لكنها أثارت الجدل لاحقا وشكك الكثيرون في توقيتات إعلانها وحقيقة تنفيذها.

"هايدة العامري"

في 11 مايو/ أيار أعلن جهاز المخابرات الوطني العراقي في بيان له، اعتقال شخص ينتحل صفة ناشط اجتماعي يحمل مسمى "هايدة العامري" يقيم في لبنان، مشيرا إلى تنفيذه عمليات ابتزاز بحق شخصيات ورجال أعمال تستهدف "العملية السياسية" بالعراق.

وذكر البيان أن "جهاز المخابرات الوطني العراقي وبالتنسيق مع مديرية الأمن العام في جمهورية لبنان اتخذ الإجراءات القانونية بحق الشخص العراقي المقيم في لبنان الذي يدير موقع تويتر باسم هايدة العامري".

وأضاف: أن ذلك جاء "بعد ثبوت قيامه بعمليات ابتزاز بحق شخصيات سياسية عراقية ورجال أعمال واستهداف العملية السياسية في البلاد"، لافتا إلى أنه جرى "كشف هويته وتحديد إقامته واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بالتنسيق مع الجانب اللبناني".

ويعد حساب "هايدة العامري" من أبرز حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تتناول الجانب السياسي في العراق، وله منذ سنوات عشرات الآلاف من المتابعين عبر منصتي "فيسبوك و"تويتر"، واختص في كثير من الأحيان بنشر ملفات فساد ضد برلمانيين ومسؤولين عراقيين.

لكن اعتقال "هايدة العامري" أثار تساؤلات كثيرة عن اللغز الذي استمر لسنوات طويلة غامضا، ولا سيما أن عددا من الكتاب العراقيين كانوا كثيرا ما يتهمون جهاز المخابرات الوطني العراقي نفسه بالوقوف وراء إدارة الحساب الوهمي ونشر الغسيل القذر للسياسيين والمسؤولين.

وفي أكثر من تغريدة كان الحساب يشيد بدور المخابرات العراقية، إذ نشر في أغسطس/آب 2019 وثيقة قال: إنها "تظهر نجاح جهاز المخابرات العراقي بكشف الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل على العراق ومن يدير الصفحات التي تدعو للتطبيع،  منها صفحة -إسرائيل بالعربية-".

"خليفة البغدادي"

بعد نحو 10 أيام، أعلنت المخابرات العراقية عبر بيان مقتضب في 20 مايو/ أيار 2020، اعتقال عبد الناصر قرداش، وادعت بأنه "خليفة محتمل" لزعامة تنظيم الدولة، خلفا لأبي بكر البغدادي، الذي قتلته الولايات المتحدة بغارة جوية في أكتوبر/ تشرين الثاني 2019.

وقالت المخابرات العراقية في بيانها: إنها تمكنت من القبض على "عبد الناصر قرداش" بعد الحصول على معلومات استخبارية "دقيقة"، دون ذكر تفاصيل العملية.

البيان أثار جدلا واسعا، لأن الشخصية التي أعلن الجهاز الأمني العراقي القبض عليها، ليست نفسها التي رصدت الولايات المتحدة الأميركية مبلغ 5 ملايين دولار لقاء معلومات تقود إليها، وقالت: إنه "خليفة البغدادي" واسمه محمد سعيد عبد الرحمن المولى، إضافة إلى أنه بعد ساعات من بيان المخابرات العراقية، نفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) نبأ الاعتقال.

وتبين بعدها من خلال تقارير وبحسب مختصين في شؤون الجماعات المسلحة، أن عبد الناصر قرداش كان معتقلا منذ نحو عام لدى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" حتى قبل مقتل زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي.

وعلى إثر الجدل الكبير الذي أثير بسبب إعلان الجانب العراقي أنه اعتقل "خليفة البغدادي"، أصدرت خلية الإعلام الأمني العراقية، بيانا في اليوم التالي 21 مايو/ أيار 2020، قالت فيه: إن عملية إلقاء القبض عليه كانت بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الباحث في الشأن السياسي العراقي خالد الحمداني: إن "إعلان الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على خليفة البغدادي، كان فضيحة كبيرة لأنه بعد ساعات تبين أنه معتقل لدى قوات سوريا الديمقراطية منذ فترة طويلة، وهذا النوع من التسويق لإنجازات وهمية لن يمر بسهولة على العراقيين".

وأشار إلى أن "تنظيم الدولة لا يزال يشكل خطرا على العراق، وهذا الأمر يتفق عليه الجميع، لكن لا تصنع لي إنجازات أنت لست طرفا فيها أو لم تكن مؤثرا بشكل كبير في صناعتها. اليوم التحدي الأكبر هو السلاح المنفلت والمليشيات التي تهيمن على الدولة، وعلى جهاز المخابرات أن يلتفت إليها ويحقق إنجازات حقيقية في إنهائها".

وأضاف الحمداني: "لا أحد يستطيع أن ينكر إنجازات القوات الأمنية في القضاء على إرهاب تنظيم الدولة وطرده من المدن العراقية التي سيطر عليها لمدة 3 سنوات، لكن هل نبقى إلى ما لا نهاية نطارد هذا التنظيم من دون إنهاء الأسباب الحقيقية لنشوئه، ولا سيما القتل والتهجير والظلم والبطالة التي يعاني منها الشعب العراقي؟".

وتناقلت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بسخرية كبيرة، إعلان الحكومة تحقيق إنجاز كبير في القبض على قيادات من تنظيم الدولة، ووصفته بأنه "إنجاز وهمي"، محذرة من أنه "إذا لم ينتبه الشعب العراقي فربما سنصبح على إعلانه (الكاظمي) لبيان النصر على تنظيم الدولة مرة أخرى او إعلان تحرير الموصل". 

"عباس عنيفة"

لم يمر اليوم ذاته 21 مايو/ أيار 2020، حتى أعلنت السلطات العراقية عن اعتقال شخصية أخرى شاركت في تفجير "قبة الإمامين العسكريين" والتي أشعلت حربا طائفية في العراق منذ فبراير/ شباط 2006 وحتى أواخر عام 2008، راح ضحيتها مئات آلاف العراقيين.

وقالت قيادة عمليات سامراء (جهة تابعة للجيش العراقي) إنها تسلمت عباس إبراهيم الملقب بـ"عباس عنيفة" وهو "أحد الإرهابيين" المشاركين بتفجير المراقد الشيعية في محافظة صلاح الدين، وعملية اغتيال الإعلامية العراقية أطوار بهجت.

اللافت في عملية اعتقال "عباس عنيفة" أنها جاءت بعد سنوات طويلة عن ارتكاب التفجير، والذي كان حدثا كبيرا لا تزال آثاره السلبية قائمة في الواقع العراقي، واتهمت إيران على لسان نائب في البرلمان ينتمي للتيار الصدري، بالوقوف وراء التفجير.

وفي يونيو/ حزيران 2013، اعترف قائد القوات الأميركية السابق في العراق جورج كيسي أن إيران "هي المسؤولة عن التفجير الذي تعرض له مقام الإمامين العسكريين في سامراء في عام 2006، وذلك من خلال ضبط مواد متفجرة إيرانية الصنع استخدمت في تفجير المرقد آنذاك، وقد تم إبلاغ رئيس الحكومة نوري المالكي عن مسؤولية فيلق القدس والمليشيات المرتبطة به عن إثارة العنف والنعرات الطائفية في العراق".

وعن طريقة اعتقاله وكيفية الوصول إليه، قال قائد عمليات سامراء اللواء الركن عماد الزهيري، في حديث لصحيفة "الصباح" الرسمية: إن "عباس إبراهيم كان في سجن السليمانية (بإقليم كردستان العراق) لمدة سنتين تحت عنوان مزيف وتمت إحالته إلى استخبارات كركوك، وبعدها تعرفت عليه استخبارات قيادة عمليات سامراء بالتعاون مع مديرية استخبارات الداخلية".

أما عن مقتل الصحفية أطوار بهجت أثناء محاولتها مع اثنين من زملائها من دخول سامراء بعد التفجير نفسه، فقد أعلنت السلطات العراقية في يونيو/حزيران عام 2006 أن هيثم السبع، أحد قياديي تنظيم القاعدة في المدينة، هو المسؤول عن مقتلها.

وبثت في حينها قناة "العربية" السعودية، والتي كانت أطوار تعمل مراسلة تلفزيونية لديها، مقطعا مصورا لما قالت إنها "اعترافات قاتل" الإعلامية أطوار بهجت، بعد إلقاء القبض عليه من القوات العراقية.

"والي العراق"

في 26 مايو/ أيار 2020، أعلن "جهاز مكافحة الإرهاب" في البلاد مقتل ما يسمى "والي العراق" في تنظيم الدولة، جراء قصف جوي شنه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على مناطق شرقي سوريا.

وقال الجهاز الأمني العراقي في بيان: إن طيران التحالف الدولي شن ضربة جوية في منطقة دير الزور شرقي سوريا، وفق معلومات استخبارية دقيقة. وأوضح أن العملية أسفرت عن مقتل "معتز نومان عبد نايف نجم الجبوري" المُلقب بـ"حجي تيسير" والذي يشغل منصب ما يسمى "والي العراق" بتنظيم الدولة.

وأضاف البيان: أن "القتيل كان يشغل منصب معاون زعيم تنظيم الدولة الإرهابي لشؤون الولايات، ومسؤول عن التخطيط والتنسيق للعمليات الإرهابية الخارجية".

وذكر جهاز مكافحة الإرهاب على موقعه عبر "تويتر" أن "رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، قدم الشكر لجهاز المخابرات الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب" مثمنا جهودهم في "التنسيق العالي بتبادل المعلومات التي أدت إلى قتل الإرهابي".

ولم تعلن الولايات المتحدة حتى الآن مقتله رسميا، لكنها رصدت في أغسطس/آب 2019 مكافأة قيمتها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، وذلك ضمن برنامج مكافآت من أجل العدالة.

وتعليقا على الموضوع، قال هشام الهاشمي المحلل الأمني العراقي الخبير في شؤون الجماعات المسلحة: إن "قوات سوريا الديمقراطية ساعدت أيضا في الغارة لكنها لم تؤكد مقتل الجبوري".

من جهته، نشر حساب دكتور ديفيد ياسين على "تويتر" تغريدات، قال فيها: إن "والي العراق معتز نومان الجبوري الذي أعلن جهاز مكافحة الإرهاب عن مقتله، قتل قبل شهر من الآن في غربي الأنبار على الحدود السورية، بغارات جوية شنها التحالف الدولي وقتلوا شخصيات عدة، وفي وقتها قالوا قتلنا شخصيات أهميتها ليست كبرى".

وأضاف: "يحاولون تبييض وجوههم بهكذا أخبار. قبل أيام أعلنوا عن اعتقال عبد الناصر قرداش وفي الحقيقة هو معتقل منذ أكثر من عام، واليوم أعلنوا عن مقتل معتز الجبوري وفي الحقيقة هو قتل منذ شهر على يد التحالف الدولي واسمه مدرج عند المخابرات الأميركية في العراق".