خليفة سليماني يزور العراق.. ماذا حمل الجنرال قاآني في جعبته؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

صاحبت زيارة الجنرال الإيراني إسماعيل قاآني الأولى إلى العراق عقب توليه قيادة فيلق القدس، الكثير من التساؤلات بخصوص الرسائل والأهداف التي أرادت طهران تحقيقها في ظل تصاعد الصراع مع واشنطن بالشرق الأوسط، ولا سيما بعد مقتل سلفه قاسم سليماني.

قدوم قاآني إلى بغداد أحيط بسرية كبيرة، الثلاثاء 1 أبريل/ نيسان 2020، وسط حظر تجول مستمر منذ أيام، بسبب جائحة فيروس كورونا، الذي تسبب في تعليق الرحلات من وإلى البلاد، إذ غادر الجنرال الإيراني مطار العاصمة العراقية تحت حراسة مشددة في موكب من 3 سيارات.

رسائل متعددة

لم تفصح إيران عن الزيارة وكذلك حلفاؤها في العراق، رغم حديث وكالات الأنباء العالمية، ووسائل الإعلام المحلية، إلا بعد 4 أيام من إجرائها، وذلك من خلال تعليق لوسائل إعلام إيرانية محسوبة على الحرس الثوري الإيراني، حاولت تبرير وجود قاآني في بغداد.

الكاتب محمد صادق الهاشمي نشر مقالا في وكالة "مهر" الإيرانية، السبت 4 أبريل/ نيسان 2020، أكد فيه أن الجنرال قاآني أرسل من خلال الزيارة إلى العراق، رسائل عدة إلى الولايات المتحدة الأميركية خاصة والغرب بشكل عام، وكذلك دول الخليج، و"حققت أهدافا مهمة".

ورأى الكاتب أن الزيارة حملت 3 رسائل إلى واشنطن، الأولى تأتي بعد قيام الأخيرة بتحركات وتنقلات عسكرية في بغداد، ومفادها بأن إيران مستعدة للدفاع عن العراق حال كانت هذه التحركات مقدمة لجس نبض المنطقة ريثما يتمكن الأميركان من اتخاذ قرار "الانقلاب العسكري" بالعراق أو القيام باغتيالات وغيرها.

وفي الرسالة الثانية بحسب الكاتب، فإن الانسحاب الذي حصل من بعض القواعد الأميركية إنما حصل بفعل المقاومة، وكانت زيارة قاآني بمثابة إعلان النصر على القواعد والقوات الأميركية، وأيضا للدعم المعنوي للمقاومة.

أما رسالة قاآني الثالثة إلى أميركا، فقد رأى الكاتب أن "إيران لم تنكفئ على نفسها وتترك الحليف العراقي فريسة بيد الولايات المتحدة تعبث به ما تشاء، خصوصا بعد مقتل قاسم سليماني".

ولفت إلى أن زيارة قاآني أنهت المقولة الأميركية إن "إيران بعد قاسم سليماني"  لا يمكنها الاستمرار في ذات النهج، مضيفا: "بل ما زالت، وستبقى تترسم الخط والمنهج الثوري التحرري، لأنه ليس خطا ومنهجا قائما بشخص، وإنما هو خط ثوري تتبناه إيران، وتجد وجودها الأيديولوجي فيه، ووجود ومستقبل الإسلام والمقاومة أيضا".

وبخصوص دول الخليج، أوضح الكاتب أن "زيارة قاآني لا تخلو من رسالة إلى دويلات الخليج لمنعهم من تمرير مؤامراتهم في العراق".

واتساقا مع ذلك، رأى المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور أحمد الأبيض، في مقابلة له الأربعاء 2 أبريل/ نيسان 2002، أن "الزيارة تأتي في إطار التحدي الإيراني للإرادة الأميركية في العراق، لأن قاآني وجميع قيادات الحرس الثوري هم على قائمة الإرهاب".

ولفت الأبيض إلى أن "قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني جاء إلى العراق ليثبت أننا موجدون في كل ما يجري بالمنطقة، وهذا يندرج ضمن إطار الحرب الإعلامية والدعائية".

"الاختبار الأول"

ولعل من أهم الأهداف التي أراد قاآني، تحقيقها في زيارته إلى العراق هو توحيد الشيعة في قضية مرشح رئاسة الحكومة، إذ قال الكاتب محمد الهاشمي: إن "مساعي قاآني تصب في توحيد البيت الشيعي، وتفعيل الحوار وإيجاد مخارج من الأزمة وفك الاختناقات، وتفعيل الصياغات الدستورية التي تعيد للشيعة هيبتهم في منصب رئاسة الوزراء، ولكن من دون تدخل إيراني، بل القرار هو للقادة السياسيين العراقيين".

وفي هذه النقطة تحديدا رأى الخبير في الشأن العراقي هشام الهاشمي، أن قادة الكتل السياسية الشيعية هي من وافقت على تدخل قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، بمسألة حسم المرشح لرئاسة الحكومة.وقال الهاشمي في تغريدة على "تويتر": إن "قيادات من البيت السياسي الشيعي اعترضت على اختيار رئيس الجمهورية للزرفي لأنهم لا يقبلون بفرض إرادة برهم صالح عليهم، وهو من خارج البيت الشيعي، الأخبار تواترت أنهم قبلوا بتدخل الجنرال إسماعيل قاآني لفرض إرادة إيران في اختيار مرشح رئيس وزراء".

أما المحلل السياسي أحمد الأبيض، فيرى أنه "خلال مدة 3 أشهر تولى بها قاآني المنصب بعد سليماني، ولم يكن مطلعا على الملف العراقي ولا يمتلك تفاصيله، كونه كان يتولى الملف الأفغاني والباكستاني، وبالتالي يبدو أنه فشل في مهمة إعادة توحيد المليشيات العراقية، والهيمنة مجددا على الوضع السياسي وتمرير أي شخصية يريدونها".

وأكد أن "الوضع السياسي الشيعي هش ومفكك، وبرزت قوى سنية وكردية أصبحت تواجه الرغبات الشيعية في الهيمنة على القرار بالعراق، الذي بالنتيجة هو هيمنة إيران على البلد".

وتابع الأبيض، قائلا: "قاآني جاء خفية إلى العراق، والتقى القادة السياسيين، وقبلها كان في سوريا، في محاولة لأخذ دور سليماني، لكنه لا يمتلك صفتين كان الأخير يتميز بهما، الأولى قربه من المرشد الإيراني علي خامنئي وتأثيره على رؤاه، فهو الذي أقنعه بضرورة التمدد في المنطقة والهيمنة عليها".

وأردف الأبيض، قائلا: "الأمر الآخر الذي يحول دون أخذ قاآني لدور سليماني، أن الأخير نسج علاقات مع القوى السياسية والمليشياوية منذ عشرات السنين أيام معارضتهم لنظام صدام حسين، وكذلك مع قادة المليشيات الحالية، فقد كانت تربطه علاقة شخصية معهم، إضافة إلى شعبيته عند بعض المغرر بهم من الذين كانوا يعتقدون بأنه المنقذ".

وأشار إلى أن إيجاد بديل لسليماني "يحتاج عشرات السنين من العمل، وجهد وكفاءة وخبرة، ولا يستطيع قاآني أن يكون بديلا عنه، وهي البطاقة الأخيرة التي ترميها إيران، لأنها تعيش في أزمات تقربها من الانهيار، وأبرزها تفشي كورونا والأزمة الاقتصادية وتمرد الشعب على النظام".

"تبديل التكتيكات"

وعلى صعيد آخر، أشار محللون إلى أن عدم تمتع قاآني بـ"الكاريزما" التي تمتع بها سليماني، فإن إيران سيتعين عليها في الغالب تبديل تكتيكاتها لكسب الأحزاب الشيعية العراقية إلى صفها، وربما تخرج طهران ملف العراق من "الحرس الثوري" إلى وزارة الخارجية.

وكالة أسوشييتد برس نشرت تقريرا، السبت 1 أبريل/ نيسان 2020، قالت فيه: إن "زيارة قاآني تأتي وسط شكوك في قدرته على التوصل لتوافق في المشهد السياسي العراقي المنقسم بشكل حاد، خاصة بسبب ضعف لغته العربية وافتقاره للعلاقات الشخصية مع الرموز المهمة".

وذلك على عكس سليماني، الذي عرف بقدرته على جعل أعتى المتناحرين في العراق يلتقون، وزار بغداد عدة مرات لتوحيد الفصائل خلال أوقات الشلل السياسي.

ونقلت الوكالة الأميركية عن مسؤول سياسي شيعي بارز طلب عدم نشر اسمه، قوله: "هذا هو أول اختبار له لمعرفة ما إذا كان سينجح في توحيد الموقف الشيعي مثلما فعل سليماني". في وقت يشهد العراق أزمة متفاقمة، حيث يواجه رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي مقاومة من بعض النخب السياسية الشيعية القوية، وسط تشتت كبير عبر الطيف السياسي.

المحلل السياسي ريناد منصور، كبير الباحثين في "تشاثام هاوس" في لندن، قال: "إيران لا تزال قوية وسيضطر قاآني إلى الاعتماد على التهديدات في محاولة لإيجاد طريقة لإعادة التفتت الهائل الذي تمثله سياسة النخبة العراقية اليوم.. سياسة العصا والجزرة بدلا من إدارة الشبكات. "هناك الكثير من الناس الذين يشعرون بحق الحصول على قطعة من الكعكة.. المنافسة تبدو كبيرة".

وفي السياق ذاته، غرد السياسي العراقي صادق الموسوي، قائلا: "مهمة الجنرال إسماعيل قاآني في العراق انتهت إلى نص ونص، لأول مرة تنقسم الكتل الشيعية الى نصفين في كل القضايا التي تحتاجها إيران، المعركة مع أميركا والوقوف ضد ترشيح الزرفي".

وحسب الموسوي، فإن "إيران تفكر بتحويل ملف العراق إلى وزارة خارجيتها"، مؤكدا أن زيارة قاآني، تستهدف الأزمة السياسية والاتفاق على شخصية لرئاسة الحكومة، بعد فشل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في زيارته مطلع مارس/آذار 2020، لحل الأزمة السياسية ذاتها.