مع تواصل عدوان إسرائيل.. هل تساعد سوريا "حزب الله" في لملمة بيته الداخلي؟
"لبنان من الناحية العسكرية محاصر الآن برا وجوا وبحرا من قبل إسرائيل"
بعد تلقي حزب الله اللبناني ضربة غير مسبوقة باغتيال هرم قادته العسكريين بمن فيهم زعيمه حسن نصر الله، باتت لملمة بيته الداخلي أولوية في هذه المرحلة مستفيدا من ثقله العسكري الذي بناه في سوريا على مدار عقد من الزمن.
فبحسب خبراء، بات حزب الله أمام "معادلة الاجتياح البري" الإسرائيلي لجنوب لبنان، عقب اغتيال حسن نصر الله في غارة إسرائيلية في 27 سبتمبر/ أيلول 2024 استهدفت مقر القيادة المركزية للحزب بالضاحية الجنوبية ببيروت.
ضرب بنية حزب الله
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة معاريف العبرية عن مصادر إسرائيلية قولها في 29 سبتمبر إن العملية البرية في لبنان ستكون محدودة في حال المصادقة عليها.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي لاغتيال نصر الله استعداده لحرب أوسع، وقال إن العملية البرية خيار مطروح، مشيرا إلى أن حزب الله لا يزال بإمكانه إطلاق النار على إسرائيل.
وبشكل لافت، تضررت البنية التحتية العسكرية والبشرية لحزب الله لأول مرة منذ تأسيسه عام 1982، بخسارته لمستودعات الأسلحة نتيجة الضربات الإسرائيلية المتواصلة.
فضلا عن فقدانه معظم قادته الكبار عبر اغتيالهم بشكل متتابع، وإصابة المئات من "عناصر النخبة" في مشهد غير مألوف يوم 17 سبتمبر 2024، حينما انفجرت أجهزة الاتصالات اللاسلكية التي يحملونها في أنحاء لبنان، لا سيما في ضاحية بيروت الجنوبية معقل الحزب.
وأمام ذلك، طرح كثير من التساؤلات حول قدرة حزب الله على امتصاص تلك "الصدمة الأكبر" في تاريخه والعودة إلى الوراء ولملمة صفوفه.
لا سيما في ظل امتلاكه الآن ثقلا عسكريا كبيرا في سوريا حيث خاضت مجموعاته هناك قتالا إلى جانب قوات بشار الأسد من عام 2012 ضد المعارضة.
وتدخل "حزب الله" بقوة إلى جانب قوات الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا آلاف العناصر لمنع سقوطه ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.
وقد استطاع حزب الله تأمين حواضن لقواته عبر اتخاذ عدد من المدن السورية معقلا لاستيطان مقاتليه وركزها في المناطق الحدودية مع لبنان.
وهذا ما يسهّل على مجاميع قوات حزب الله الحركة والتنقل وتبديل المناوبات التي لا تستهلك أقل من ساعة لتعود إلى الضاحية الجنوبية في لبنان معقل المليشيا.
كما أن حزب الله نشر أنظمة دفاع جوي في منطقة جبال القلمون شمال غربي دمشق المتاخمة للبقاع اللبناني، والتي تضم القاعدة الخلفية اللوجستية والعملياتية للحزب وكذلك في جنوب لبنان، وفق تحليل منشور في 29 ديسمبر/كانون الأول 2021، لمركز الأبحاث الإسرائيلي "ألما".
إذ يرى خبراء عسكريون، أن مجموعات حزب الله المنتشرة في سوريا والذين يقدر عددهم بـ3 آلاف عنصر موزعين على نقاط ثابتة بعدد من المحافظات السورية سيشكلون "المخزن البديل" لإعادة الانتشار في لبنان.
وتلك المجموعات من حزب الله توجد في قرى وبلدات سورية بعيدة عن مناطق فصائل المعارضة السورية، وثقلها الأكبر في بلدات عند الحدود السورية اللبنانية بريف دمشق وريف حمص.
لهذا فإن خيارات سحب تلك المجموعات وارد تكتيكا في هذه المرحلة مع إبقاء عدد محدود من القيادات الميدانية من الصف الثالث للإشراف على نقاطه وعلى المليشيات الأجنبية التي تعمل تحت رايته بإيعاز من إيران.
سحب المقاتلين
وعقب هجمات "بايجر" وانفجارها بأيدي عناصر من حزب الله، اضطر الحزب لسحب المئات من عناصره من سوريا بشكل سريع لملء الفراغ الذي يشغلونه في لبنان.
إذ أشارت تقارير صحفية وقتها إلى سحب حزب الله ما لا يقل عن 500 عنصر من مواقعهم في سوريا بينهم عراقيون، حيث كانوا يتمركزون في محافظتي دير الزور وحلب، بالإضافة إلى مناطق في البادية السورية مثل بادية تدمر.
وخلال الفترة الأخيرة نشرت إسرائيل عدد من الألوية على الجبهة الشمالية، أبرزها لواء الدبابات الاحتياطي 205، ولواء غولاني الذي قاتل في غزة، ولواء 551 وقوات أخرى.
وهذه القوات تدربت على سيناريوهات مختلفة خلال الشهور الماضية منها الاستعداد للمناورة والقتال من أجل السيطرة على أهداف في تضاريس تشبه تضاريس لبنان.
وأعلنت إسرائيل أنها فرضت حصارا عسكريا على لبنان من أجل منع حزب الله من إعادة التسلح عبر سوريا وإيران، تزامنا مع قصفها المستمر لمناطق وبلدات في لبنان خلفت عشرات القتلى.
ورغم ذلك يستبعد الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، فايز الأسمر، سيناريو نقل حزب الله ثقله العسكري إلى سوريا.
وقال لـ"الاستقلال"، إن "الحدود السورية اللبنانية مرصودة جيدا من قبل إسرائيل من القصير والقلمون وحتى الزبداني وجبل الشيخ وممنوع التحرك بالاتجاهين".
ورأى الأسمر، أن "لبنان من الناحية العسكرية محاصر الآن برا وجوا وبحرا من قبل إسرائيل".
وكان الميجر جنرال، تومر بار، قائد سلاح الجو في جيش الاحتلال الإسرائيلي قال "في لبنان سنمنع أي احتمال لنقل الأسلحة إلى لبنان من إيران"، بحسب ما نقلته رويترز على لسانه في 26 سبتمبر 2024.
وركزت إسرائيل بشكل مكثف منذ 23 سبتمبر 2024 على قصف مواقع على الحدود السورية اللبنانية من أجل تدمير ما يقول جيش الاحتلال إنها مسارات لتهريب ونقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان.
كما كان لافتا استهداف إسرائيل بالغارات الجوية المعابر الشرعية وغير الشرعية بين سوريا ولبنان.
ويمتلك حزب الله معابر خاصة به مع سوريا، غير تلك الرسمية الموزعة على الشريط الحدودي الممتد على مسافة 375 كيلومترا والبالغ عددها خمسة، وهي "المصنع والدبوسية وجوسية وتلكلخ والعريضة".
"لملمة البيت الداخلي"
وفي هذا الإطار، نقلت وكالة الأناضول التركية في تقرير لها في 9 سبتمبر 2023 عن مصادر محلية في سوريا، أن “حزب الله” سحب نحو 1500 من عناصره الموجودة ضمن صفوف قوات النظام السوري من مناطق مختلفة.
وأشارت المصادر إلى أن عناصر الحزب انسحبت من اللواء 46 بريف حلب الغربي ومن مدينة سراقب وقراطين شرق محافظة إدلب، ومن مناطق معرة النعمان وخان شيخون وكفر رومة وكفرنبل وحزارين جنوب إدلب.
وانتقلت العناصر أولا إلى مدينة القصير (يسيطر عليها حزب الله بالكامل) جنوب غرب محافظة حمص ومنها إلى لبنان، بحسب المصادر.
وأكّدت انتشار عناصر من المليشيات الإيرانية الأجنبية عوضا عن حزب الله، وهي لواء "فاطميون" و"الباقر" الأفغانيين.
وهذا يعني أن حزب الله قد سحب نصف قواته العاملة في سوريا تقريبا منذ دخوله في مواجهات مع إسرائيل في الثامن من أكتوبر 2023، إسنادا للمقاومة الفلسطينية بغزة.
ورغم هذه المعطيات، استبعد الخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب أن يلجأ حزب الله إلى نقل ثقله العسكري إلى سوريا في ظل ما يواجهه من عدوان إسرائيلي".
وقال لـ"الاستقلال": "الملاحظ هو قيام حزب الله بنقل قواته من سوريا إلى لبنان وخاصة أن هناك اجتياحا بريا إسرائيليا من دون أدنى شك لجنوب لبنان إذ إن العمليات العسكرية والاغتيالات والقصف التي تقوم بها هي مقدمة لذلك الاجتياح البري".
وأردف: "حزب الله الآن معركته هي في جنوب لبنان وخاصة بعد كل تلك الاختراقات الإستراتيجية له من قبل إسرائيل، حيث ما تزال إسرائيل تركز جهودها على اغتيال مزيد من القادة وتدمير عقد الاتصال في الحزب ومستودعات الأسلحة والذخيرة التابعة له".
ولفت الخبير العسكري إلى أنه "في ظل الحديث عن تسلم هاشم صفي الدين قيادة الحزب خلفا لحسن نصر الله سيعمد الحزب إلى لملمة البيت الداخلي بعد ضرب البنية البشرية للحزب".
وأشار أيوب إلى أن "علاقة حزب الله مع نظام الأسد في سوريا أخيرا أصبحت سيئة حيث عمد النظام إلى إزالة صور نصر الله من مواقع عسكرية وهذا ما يفسر وجود حالة استقطاب بينهما".
وكان نصر الله، قال في خطاب متلفز في أغسطس 2024 إنه "ليس مطلوبا من سوريا أن تدخل في القتال بسبب ظروفها الداخلية"، قبل أن يضيف أن على دمشق أن تؤدي دورا داعما.