رغم إنفاقها المليارات.. كيف فشلت الإستراتيجيات الأميركية في البحر الأحمر؟
تمكن الحوثيون حقا من اختراق إسرائيل وتجنب نظام الدفاع الجوي
سلط موقع "تيليبوليس" الألماني الضوء على تدهور سيطرة الولايات المتحدة على البحر الأحمر بسبب تصاعد نفوذ جماعة الحوثيين في المنطقة وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي والتجارة البحرية.
ويقول الموقع إن "التصعيدات الأخيرة تعكس فشل الإستراتيجية الأميركية في احتواء الحوثيين وردع الهجمات على السفن التجارية وإسرائيل".
وفي هذا الإطار، يتناول تأثير التصعيد الحوثي على التجارة البحرية والاستقرار الإقليمي، مبرزا الحاجة إلى إستراتيجيات جديدة للتعامل مع هذه التحديات.
حطام السياسة الخارجية
وأشار إلى الحادث الذي وقع في 19 يوليو/ تموز 2024، حيث شهد ميناء "الحديدة" اليمني انفجارات قوية في مستودع للوقود وفي محطة للطاقة، بفعل قصف إسرائيلي.
وجراء ذلك، أُصيب أكثر من 80 شخصا ولقي ما لا يقل عن ستة أشخاص حتفهم. وجاءت الغارة الجوية ردا على هجوم شنه الحوثيون على إسرائيل.
إذ ضربت طائرة مسيرة بعيدة المدى أُطلقت من الأراضي اليمنية تل أبيب، مما أدى إلى مقتل شخص واحد.
وعلى حد قول الموقع الألماني، تمكن الحوثيون بذلك لأول مرة منذ بداية الأحداث (عملية طوفان الأقصى) في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من إلحاق ضرر عسكري بإسرائيل.
وبشكل أدق، تمكن الحوثيون حقا من اختراق إسرائيل وتجنب نظام الدفاع الجوي، مما يجعله “نصرا تقنيا ورمزيا لهم”.
ومن جانب آخر، يلفت الموقع إلى أن قرار إسرائيل باتخاذ تدابير انتقامية ضد البنية التحتية المدنية بدلا من الأهداف العسكرية هو أيضا علامة على أن التوترات في منطقة البحر الأحمر قد تتصاعد إلى صراع شامل.
وهذا بالضبط ما كانت الولايات المتحدة تصر على منعه منذ البداية. فمنذ عدة أشهر، تحاول الحكومة الأميركية ردع الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر وعلى إسرائيل، وكبح قدرة الحوثيين على الهجوم.
ويرى الموقع أن هذه الإستراتيجية كان محكوما عليها بالفشل، لا سيما وأن السعودية -الحليف الأميركي- لم تحقق أي تقدم في حربها ضد الحوثيين في اليمن منذ عام 2015.
وبناء على ذلك، يلفت النظر إلى أنه لم يعد بالإمكان إخفاء الكارثة في الوقت الحالي.
وبقول آخر، يبرز أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تواجه حطام السياسة الخارجية في ظل التبادل المباشر للضربات بين إسرائيل والحوثيين، بينما تستمر الهجمات على السفن الحاوية في البحر الأحمر دون توقف.
فشل كارثي
بالعودة قليلا إلى الوراء، يوضح الموقع أن نقطة انطلاق الصراع قبل تسعة أشهر تتمثل في بدء حرب إسرائيل ضد غزة.
ففي 19 أكتوبر 2023، شن الحوثيون هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل، ولكنها اعتُرضت بواسطة الدرع الإسرائيلي.
ثم في منتصف مارس/ آذار 2024، اخترق صاروخ موجه الدفاع الجوي الإسرائيلي وانفجر في منطقة غير مأهولة بالقرب من مدينة إيلات (أم الرشراش) الساحلية.
وفي أبريل/ نيسان 2024، انضمت جماعة الحوثيين إلى إيران في هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، كرد على القصف الإسرائيلي لقنصلية إيران في سوريا، الذي أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم اثنان من الجنرالات الإيرانيين.
ونقلا عن بعض المحللين، يقول الموقع الألماني إن "الهجوم العميق على إسرائيل ورد الأخيرة أظهر أن قوة جذب وتحفيز مجموعة المتمردين (الحوثيين) قد زادت بشكل كبير خارج اليمن".
وبشكل عام، يؤكد أن "محاولة الولايات المتحدة عزل الحوثيين منذ سبعة أشهر، فشلت فشلا ذريعا".
وأوضح أنهم "يخرجون من الصراع وهم أقوى ويشعرون بالتشجيع للاستمرار في القتال، بينما يحصلون على الدعم والتأييد".
وفي هذا السياق، يسلط الضوء على أن النقطة الأهم من ذلك هي أن "الولايات المتحدة لم تتمكن من السيطرة على البحر الأحمر لوقف الاضطرابات في التجارة البحرية عبر المضيق".
إذ هاجم الحوثيون حتى الآن أكثر من 70 سفينة بالصواريخ والطائرات المسيرة، مما أسفر عن مقتل أربعة بحارة.
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، استطاع الحوثيون الاستيلاء على سفينة وإغراق اثنتين، بحسب الموقع.
وفي يونيو/ حزيران 2024، ارتفع عدد هجمات الحوثيين على السفن التجارية بشكل كبير، ثم استمرت في يوليو/ تموز 2024.
ويشير الموقع إلى أنه قبل أسبوعين، صرح الحوثيون بأنهم "أطلقوا صواريخ على سفينة حاويات تبحر تحت العلم الأميركي في خليج عدن".
جدير بالذكر أن أكثر من 10 إلى 15 بالمئة من التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر، الذي يرتبط بقناة السويس.
ونتيجة للهجمات الحوثية، حوّل العديد من الشركات الكبرى حركة المرور إلى طرق بديلة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن.
عملية مكلفة
وفي هذا الصدد، يذكر أن تكلفة شحن حاوية نموذجية على ثماني طرق رئيسة من الشرق إلى الغرب ارتفعت إلى 5117 دولارا أميركيا، وهو ما يمثل زيادة قدرها 233 بالمئة مقارنة بعام 2023.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت شركات الشحن رسوما طارئة، فضلا عن التأخير في تسليم البضائع.
ومن جانبها، أوضحت شركة الشحن الدنماركية "مولر-ميرسك" أن الاضطرابات في البحر الأحمر لها تأثيرات مضاعفة على طرق التجارة الأخرى، مما أدى إلى حدوث ازدحامات وتأخيرات هناك أيضا.
وفي هذا الإطار، يوضح الموقع أن الحوثين يؤكدون أنهم "يستهدفون بشكل خاص السفن المرتبطة بإسرائيل، وذلك لدفع حكومة بنيامين نتنياهو إلى إنهاء الحرب في غزة".
وبرغم أن الجماعة لم تحقق هذا الهدف بعد، إلا أنهم تمكنوا من فرض تكاليف على إسرائيل عبر الحصار.
ويُقال -بحسب الموقع- إن "ميناء إيلات الخاضع للسيطرة الإسرائيلية قد أعلن إفلاسه بسبب الحصار ويطلب الآن حماية حكومية".
وبالحديث عن خسائر الولايات المتحدة في هذا الجانب، يلفت إلى أن الحكومة الأميركية تضطر أيضا إلى دفع مبالغ كبيرة من أجل العمليات في البحر الأحمر.
إذ تتراوح تقديرات التكلفة الإجمالية للعملية بين 260 و573 مليون دولار شهريا، أي ما يصل إلى أربعة مليارات دولار حتى الآن.
ومع ذلك، لم تسفر هذه النفقات العسكرية والمالية عن أي نتائج ملموسة، بحسب ما يؤكده الموقع الألماني.
وفي هذا الصدد، اعترف الرئيس الأميركي، جو بايدن، بنفسه بأن "الهجمات ضد الحوثيين لم تنجح".
وعلى الرغم من أن الخبراء يقترحون أن "الجمود الإستراتيجي" قد يكون أكثر فعالية، إلا أن بايدن رفض إنهاء تلك العمليات غير المجدية.
ومن وجهة نظر الموقع، من الأفضل والأكثر فعالية أن يُضغط على إسرائيل لإنهاء "الإبادة الجماعية المحتملة" في غزة، كما عبرت عنها محكمة العدل الدولية في لاهاي.
جدير بالإشارة هنا إلى أن الحوثيين أوضحوا مرارا أنهم سيوقفون هجماتهم حالما يتوقف إطلاق النار.
سد الفجوات
وبأخذ المشهد السابق ذكره في الحسبان، يذهب الموقع الألماني إلى أن "فقدان السيطرة من قبل الولايات المتحدة في البحر الأحمر من الممكن أن يؤدي إلى ظهور فاعلين آخرين وتشكيل تحالفات والاستفادة من الفجوة".
وتفترض مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، على سبيل المثال، أن "إيران تدعم الحوثيين أيضا لأسباب إستراتيجية".
وتقول المجلة إن "ذلك يعد جزءا من إعادة التوجيه الإستراتيجي الأوسع، الذي يعتمد بشكل متزايد على القدرات البحرية لاحتواء خصوم إيران".
وفي هذا السياق، يذكر أن القوات البحرية الإيرانية اشترت مؤخرا سفنا أكثر حداثة، بما في ذلك غواصات جديدة وسفن حربية مزودة بالصواريخ، كما أنها بدأت في التوسع حتى المحيط الأطلسي والهادئ.
ويضيف الموقع أنه "في غضون ذلك، عقدت طهران شراكات بحرية مع الصين وروسيا لتعزيز قوتها".
وعلى جانب آخر، يتوقع أن موسكو، التي تظل متحفظة في النزاع في الشرق الأوسط، قد تشعر بشكل متزايد بالضغط للانحياز إذا تفاقم الصراع.
وكما تلاحظ هانا نوت، مديرة مركز "جيمس مارتن لدراسات منع انتشار أسلحة الدمار الشامل"، فإن روسيا قد تعزز عملياتها في الحرب الإلكترونية من سوريا، عبر تعطيل نظم التوجيه للأسلحة الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن توفر موسكو المزيد من الأسلحة لحزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، وهو ما يتماشى مع إستراتيجيتها الحالية، بحسب رأي هانا نوت.
ومن ناحية أخرى، يسلط الموقع الضوء على أن "الحوثيين أبرموا اتفاقا مع كل من روسيا والصين يسمح لسفنهم بالمرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن دون التعرض للهجمات".
وفي هذا الصدد، يقول إن "الصين تنجح في التوازن التكتيكي بالشرق الأوسط بشكل خاص، حيث تبرز كميسر موثوق وناجح في المنطقة".
وفي مارس/ آذار 2023، تمكنت الدبلوماسية الصينية بعد مفاوضات من جمع إيران والسعودية على طاولة واحدة وإبرام اتفاق بينهما.
وعلى جانب آخر، يشير الموقع إلى أن الصين تعزز من موقفها الدبلوماسي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وخلال حرب غزة، اتخذت الصين موقفا أكثر انتقادا لإسرائيل وضغطت من أجل وقف إطلاق النار.
ومن بكين، أعلنت الفصائل الفلسطينية في 22 يوليو، اتفاقها على التوصل إلى "وحدة وطنية شاملة" تضم القوى كافة في إطار منظمة التحرير، وتشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة.
وسبق أن عُقد اجتماع مشابه للفصائل في الصين في أبريل/ نيسان 2024، سبقته محادثات في موسكو في فبراير/ شباط 2024.
وفي النهاية، يقول الموقع إن بايدن، الذي أعلن أنه لن يترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية، يترك خلفه إرثا خطيرا من خلال دعمه الحديدي لحكومة نتنياهو في حربها ضد غزة وتصعيد التوترات العسكرية في المنطقة، وخصوصاً في البحر الأحمر".
وهذا الإرث يشكل نقطة اشتعال خطيرة في الشرق الأوسط، يمكن أن تؤدي إلى المزيد من العنف والفوضى.
ويختتم بالقول إن "أي شخص يخلف بايدن سيواجه فقدان الاستقرار والقدرة على التنبؤ، بالإضافة إلى المزيد من المعاناة والموت".