على غرار سوريا.. هل يتحول العراق إلى ساحة مواجهة بين إسرائيل وإيران؟

يوسف العلي | 17 days ago

12

طباعة

مشاركة

وفق قاعدة "ضربة بأخرى" التي باتت تحكم الصراع القائم بين إسرائيل وإيران، يسود ترقب حذر بشأن هجوم محتمل توعدت طهران بشنه ضد الاحتلال الإسرائيلي، ردا على الضربات التي نفذتها تل أبيب على مواقع عسكرية إيرانية عبر الأجواء العراقية.

وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه وجه ضربات "دقيقة وموجهة" على مواقع تصنيع صواريخ وقدرات جوية أخرى في إيران ردا على الهجوم الذي شنته طهران على إسرائيل مطلع الشهر نفسه بنحو 200 صاروخ.

ساحة صراع

إيران التي تعتزم الرد على إسرائيل، تفكر في شن الهجوم انطلاقا من الأراضي العراقية، على تقدير أن تل أبيب أيضا استخدمت سماء العراق في توجيه ضربات إلى الداخل الإيراني، وبذلك تكون قد سلكت الطريق ذاته في الرد على الهجمات التي نالتها.

ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي في 31 أكتوبر 2024، عن مصدرين إسرائيليين (لم يكشف عن هويتهما) قولهما إن إيران تستعد لمهاجمة إسرائيل من الأراضي العراقية الأيام المقبلة، في حين نفى مصدر مطلع لهيئة البث الإسرائيلية وجود مؤشرات على ذلك.

وتوقع الموقع تنفيذ الهجوم انطلاقا من العراق باستخدام عدد كبير من طائرات مسيّرة وصواريخ الباليستية، لافتا إلى أن ذلك سيكون من خلال المليشيات العراقية الموالية لإيران، وقد يكون محاولة من طهران لتجنب هجوم إسرائيلي آخر ضد أهداف إستراتيجية في إيران.

وأعلنت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، خلال منشور عبر "إكس" في 26 أكتوبر، أن "طائرات تابعة للكيان الصهيوني هاجمت مواقع عسكرية إيرانية من الأجواء العراقية".

وألقت البعثة الإيرانية باللوم على الولايات المتحدة واتهامها بالتواطؤ، بالقول إن "المجال الجوي العراقي تحت احتلال وقيادة وسيطرة الجيش الأميركي. والنتيجة: التواطؤ الأميركي في هذه الجريمة مؤكد".

وفي اليوم التالي، أعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، أن بلاده تقدّمت رسميا بمذكرة احتجاج إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن الدولي، تضمّنت إدانة الانتهاك الصارخ الذي ارتكبه الكيان الصهيوني بخرق طائراته المعتدية أجواءَ العراق وسيادته.

وأكد في بيان أن "الكيان الصهيوني استخدم المجال الجوي العراقي لتنفيذ الاعتداء على الجمهورية الإيرانية في 26 أكتوبر ".

وأكد العوادي "التزام الحكومة الثابت بسيادة العراق واستقلاله وحرمة أراضيه، وبأنها تعمل على مختلف الصعد لمواجهة هذه الانتهاكات، وعدم السماح باستخدام الأجواء أو الأراضي العراقية للاعتداء على دول أخرى، خصوصا دول الجوار التي بينها علاقات احترام ومصالح مشتركة". 

وأوضح البيان الحكومي أن "هذا الموقف يعكس حرص العراق على اتباع سياسة الحفاظ على استقرار المنطقة، من خلال منع أي استغلال لأراضيه في صراعات إقليمية، ودعمه حلَّ النزاعات عبر الحوار والتفاهم المتبادل".

“ملتقى المصالح”

وعن مدى إمكانية تحوّل العراق إلى ساحة تصفية حسابات بين إيران وإسرائيل، وأن تستهدف الأخيرة مسؤولين إيرانيين وقادة مليشيات شيعية كما تفعل في سوريا، رأى الباحث السياسي العراقي، لطيف المهداوي أن "الولايات المتحدة قد لا تسمح لإسرائيل، لأسباب عدة".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الولايات المتحدة وإيران كلاهما لا يريد جرّ العراق إلى الحرب أو جعله ساحة صراعات، وإنما يحاولان الحفاظ عليه آمنا كونه يمثل- وخصوصا لطهران- ملتقى مصالح، ومنجم استثمارات كبير، لذلك إرباكه أمنيا أمر غير وارد". 

وأشار إلى أن "العراق بالنسبة لإيران يختلف عن سوريا، فإن خسارة الأول يفقدها جارا إستراتيجيا وقد يسمح لروسيا بالتدخل على خط التنافس على النفوذ، وكذلك الحال بالنسبة لأميركا ربما تتخذ ذلك ذريعة لإعادة السيطرة بشكل أكبر على البلد".

 ولفت المهداوي إلى أن "الولايات المتحدة ترفض أن تستهدف إسرائيل العراق في الوقت الحالي، فهي تريد الحفاظ على البلد بعيدا عن الاضطرابات العسكرية قدر الإمكان لأن القرار الرسمي العراقي يذهب بهذا الاتجاه خلافا للموالين لإيران سواء المليشيات أو القوى السياسية الشيعية".

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، عقيل عباس، إن "الحكومة العراقية استطاعت أن تخفف من اندفاع المليشيات في الانخراط بالحرب منذ اندلاع طوفان الأقصى، وأن إيران تفهمت حساسية هذا الموضوع، ومعروف أن كتائب حزب الله أصدرت بيانا أوقفت العمليات في فبراير 2024، وأنها تراعي حرج الحكومة".

وأضاف عباس خلال مقابلة تلفزيونية في 3 نوفمبر، قائلا: "يبدو هناك تحول كبير حصل بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران والتي كان هدفها الاستفزاز، لأن إسرائيل منذ استهداف قنصليتها في دمشق وقتل عدد من ضباط الحرس الثوري، كان الغرض منها سحب إيران وإدخالها للحرب".

وتابع: "قبل قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، إسرائيل كانت تقتل من الحرس الثوري على مدى سنوات لكنها تستهدفهم في أراضي ومعسكرات سورية، لكن ضرب القنصلية جعلها ترد كونه انتهك سيادة إيران، وهذا أعطى حجة لإسرائيل في الرد أيضا، وأن أميركا انزعجت من ذلك".

وشدد على أنه "لا يجوز لإسرائيل أن تبعث طائراتها وتمر عبر الأجواء العراقية وتذهب لتقصف إيران، لكن في الوقت ذاته الأخيرة عندما أطلقت مئات الصواريخ في قصفها لإسرائيل بالمرة الأولى في 13 أبريل 2024، وعبرت الأجواء العراقية، وهذا أيضا كان خرقا لسيادة البلد".

وأكد عباس أن "المليشيات تسهم في إدخال العراق إلى معركة ليست بقرار سيادي عراقي، والذي ينبغي أن يكون بيد حكومته المنتخبة والبرلمان، فهذا قرار حرب وسلم لا تتخذه المليشيات، فهي ليست منتخبة ودستوريا لا يحق لها بهذا الشيء، وفي بلد تؤكد الحكومة على احتكار السلاح بيدها".

وتستهدف إسرائيل بشكل مستمر الوجود الإيراني في سوريا، إضافة إلى استهدافها مسؤولين إيرانيين بشكل مباشر كما حصل في قصف قنصلية طهران بدمشق في الأول من أبريل 2024، ما أدى إلى مقتل 13 شخصا، بينهم العميد محمد رضا زاهدي، القيادي في "فيلق القدس".

“رد قاس”

وفي تهديد صريح، تعهد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في 3 نوفمبر، بـ"رد قاس" ضد الولايات المتحدة وإسرائيل "على ما تفعلانه ضد إيران ومحور المقاومة".

وقال خامنئي خلال فعالية لإحياء ذكرى اقتحام متظاهرين مقر السفارة الأميركية في طهران في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1979، إن طهران ستفعل "كل ما يجب القيام به لإعداد الأمة الإيرانية، سواء عسكريا أو سياسيا" لمواجهة أي تهديد.

كما نقلت وكالة فارس الإيرانية في اليوم نفسه، عن الناطق باسم الحرس الثوري الإيراني علي محمد نائيني، قوله إن إيران سترد على "العمل الشرير الجديد" الذي قامت به إسرائيل، في إشارة إلى الهجوم ضد إيران في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال نائيني إن "الرد على العدوان الصهيوني الأخير على إيران سيكون حتميا وحاسما وخارجا عن إدراك العدو"، موضحاً أن "رد إيران على الهجوم الثالث سيكون إجراء دفاعيا"، وليس "زيادة توتر" مع إسرائيل.

وفي 31 أكتوبر، قال محمد محمدي كلبيكاني مدير مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي إن "ما قام به النظام الصهيوني أخيرا عبر مهاجمة أجزاء من بلادنا كان خطوة يائسة، سترد عليها الجمهورية الإسلامية في إيران ردا قاسيا يجعل (إسرائيل) تندم".

وأشاد كلبيكاني -حسب ما نقلت عنه وكالة تسنيم الإيرانية- بأداء الدفاع الجوي الإيراني الذي "منع دخول مقاتلات النظام الصهيوني الأراضي" الإيرانية، مؤكدا أن الخسائر التي خلفتها الضربات "محدودة".

وتعليقا على التهديدات الإيرانية، قال المحلل السياسي الإيراني، حسين روي وران، إن "طهران تنظر للهجوم الإسرائيلي على أنه اعتداء، إذ إن إيران هاجمت إسرائيل في إطار سلسلة انتقامات بدأتها إسرائيل بالهجوم على السفارة الإيرانية في دمشق".

وأوضح وران في تصريحات لموقع "بي بي سي" البريطاني في 3 نوفمبر، أن إيران "ردّت على ذلك الهجوم، ثمّ قامت إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي الأسبق لحركة حماس)، وإيران ردّت على ذلك"، مشيرا إلى أن الهجوم الأخير يُعد "اعتداءً" في طهران، ويستوجب الرد.

وبحسب وران، فإن إيران لا يمكن أن توكل مهمة الرد لأحد في المنطقة، لأن طهران تعد الرد "موضوع سيادة"، وليس من الممكن "أن يتولى حليف لإيران سواء كان في العراق أو في لبنان أو في أي مكان آخر عملية الرد".

وأشار إلى أن ظروف الحرب القائمة الآن في المنطقة "تستوجب الرد" الإيراني، وأنه على افتراض "كان هناك وقف لإطلاق النار في جبهة غزة وفي جبهة لبنان فإن ذلك قد يؤثر على قرار إيران"، إذ إنها "لن تلغي الرد بالكامل"، ولكن يمكن أن يؤثر على قرار طهران.

وتأتي تصريحات المسؤولين الإيرانيين بعد وقت قصير من تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 31 أكتوبر، قال فيها إن "إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي مكان في إيران إذا دعت الحاجة، وإنها تتمتع بحرية غير مسبوقة في العمل بعد غاراتها الجوية الأخيرة على هذا البلد".