عبر تطوير العلاقات.. كيف يسهم تقارب أنقرة ولندن في تعزيز أمن أوروبا؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

تحيط التهديدات والصراعات القارة الأوروبية من كل جانب، حيث تتمحور على حدودها منذ بداية حرب روسيا وأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 والتوترات المستمرة في منطقة البلقان. 

ولا تقتصر التهديدات على الحدود فقط، بل تواجه أوروبا تحديات كبيرة في مناطق أخرى حيث تسعى لحماية مصالحها ونفوذها في إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وفق ما يقول مركز فيكير تورو التركي. 

وأوضح الكاتب التركي "تولجا ساكمان" أنه من المحتمل أن يقل النفوذ الأوروبي في المنطقة نتيجة التحديات العسكرية والسياسية. 

وأشار إلى أن الدولتين اللتين يمكن لأوروبا الاعتماد عليهما للدفاع عن أراضيها ومصالحها الفكرية هما: تركيا والمملكة المتحدة.

عملية التقارب 

وأردف: بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقعت تركيا والمملكة المتحدة اتفاقية تجارة حرة دخلت حيز التنفيذ مطلع يناير/كانون الثاني 2021. 

وتهدف الاتفاقية إلى الحفاظ على العلاقات التجارية التفضيلية، فضلاً عن تطوير العلاقات الثنائية في المستقبل.

ويسعى كلا البلدين حاليا لتحديث هذه الاتفاقية واستخدامها على نحو أكثر فعالية، وفق الكاتب.

وبطبيعة الحال، يشكل التعاون الاقتصادي أداة مهمة للتقارب، لكن ما يمكن فعله به في العلاقات بين البلدين لا يقتصر على هذا.

على سبيل المثال، يمكن للمملكة المتحدة، التي لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي ولكنها تعد القوة العسكرية الرائدة في القارة، أن تأخذ زمام المبادرة وتتعاون بشكل وثيق مع تركيا بشأن دمجها في البنية الدفاعية الأوروبية.

وأضاف: تتمتع تركيا وبريطانيا بعلاقات وثيقة منذ عقود، تقوم على الروابط المشتركة لعضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو" والمصالح الاقتصادية المتبادلة والمخاوف الأمنية. 

وبناء على العلاقات المتنامية بين تركيا والمملكة المتحدة بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، لا يزال هناك مجال لمواصلة تطوير التعاون القائم، لا سيما في مجالات الدفاع والأمن.

ومع ذلك، وبسبب التفضيلات السياسية للحكومة البريطانية الحالية، يجري تجاهل الدور الذي يمكن أن يلعبه التعاون التركي البريطاني في الأمن الأوروبي. 

وأشار الكاتب إلى أن مناطق الاهتمام الرئيسة للمملكة المتحدة مثل الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط والقوقاز تتطابق مع مصالح أمنية حيوية لتركيا.

وعلى الرغم من هذا، تتعارض مصالح أنقرة مع حلفائها الآخرين في هذه المناطق مثل حليفتها فرنسا التي تسعى لتعزيز مبادراتها الخاصة في جميع مناطق نفوذ تركيا تقريبا. 

وأضاف الكاتب: بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي، تهدف بريطانيا لتشجيع التحالف المحتمل مع تركيا لموازنة الكتلة الفرنسية اليونانية، وبالتالي توسيع نفوذها بين حلفاء الناتو.

وتعد مسألة الأمن أهم هدف لدمج جهود تركيا والمملكة المتحدة بما يعود بالفائدة على كلا البلدين. 

إذ يسهم تطوير التعاون بين لندن وأنقرة في تحقيق توافق أكبر مع المفهوم الإستراتيجي الأخير لحلف الناتو في قمة مدريد يونيو/حزيران 2022. 

في هذا المفهوم، جرى التأكيد بشكل جدي على أهمية تركيا والمملكة المتحدة، وغيرها من الدول التي تعد عضوا في الناتو من خارج الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بأمن أوروبا.  

فوائد الشراكة

وأردف الكاتب: يمكن لتركيا وبريطانيا كحلفاء غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي أن يساهما بتعزيز الأمن في أوروبا والأطلسي وملء الفراغ في الاتجاه الإستراتيجي الشرقي- الغربي. 

فالشراكة المعززة بين البلدين يمكن أن تساعد في تحقيق دفاع أوروبي أكثر قدرة وتكاملًا مع حلف شمال الأطلسي. 

إذ يمكن لهذه الشراكة توفير الشروط الضرورية لتحقيق نظام مستقر وشفاف ومفتوح.

وتشمل هذه الشروط تشكيل النظام الدولي وخلق بيئة منافسة في جميع المجالات، بالإضافة إلى سد الثغرات الأمنية.

وأوضح الكاتب: مع التنافس الإستراتيجي المتزايد، يجب زيادة مستوى التعاون في مجال الأمن والدفاع.

إذ يتمتع كلا البلدين بالأولوية في تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية وتجنب التوترات بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ضمن حلف شمال الأطلسي.  

واستدرك: في نهاية عام 2023 جرى توقيع اتفاقية تعد خطوة ملموسة في التعاون الأمني والدفاعي بين تركيا والمملكة المتحدة. 

وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز الأمن والرفاهية في كلا البلدين وتحسين الأمن على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.

وأشار إلى أن توقيت الاتفاقية مهم، حيث يمكن لهذه الشراكة أن تعزز قوة تركيا التفاوضية ونفوذها الإستراتيجي في سعيها للحصول على طائرات إف 16 أميركية جديدة. 

وأعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر، نهاية عام 2023 أنه على الرغم من اعتراض ألمانيا، جرى عقد محادثات مع المملكة المتحدة وإسبانيا لشراء 40 طائرة "يورو فايتر تايفون".

ويمكن أن تساعد العلاقات الدبلوماسية المعززة بين تركيا والمملكة المتحدة في إقناع ألمانيا بعدم عرقلة الاتفاقية. 

دور التحالف

وأردف الكاتب: كل من تركيا والمملكة المتحدة يتمتع بقدرات عسكرية قوية وتكنولوجيا دفاعية قوية وقواعد صناعية.

بالإضافة إلى أن كلا البلدين قادر على فهم بعضهما البعض بشأن العديد من القضايا المدرجة في جدول الأعمال الإستراتيجي. 

وذلك مثل دعم بعضهما البعض في ضمان أمن أوروبا والمحيط الأطلسي، وتحديد التهديدات المشتركة ومكافحتها، وضمان انتشار البيئة الأمنية من خلال التعاون مع أطراف ثالثة.

وتعد لندن أكثر انفتاحا على الاتفاقيات الخارجية في إستراتيجيتها الدفاعية والتجارة في الصناعات العسكرية مقارنة بالدول الأوروبية القارية. 

وعلق الكاتب التركي أنه يمكن تصميم شراكة جديدة بين تركيا والمملكة المتحدة لدمج أصول وقدرات القوة الصلبة والناعمة لكلا البلدين، مما يؤدي إلى قدرة مزدوجة يمكن إتاحتها لحلف الناتو بالاتفاق المتبادل. 

ومن المؤكد أن هذا سيعزز الدفاع الأوروبي ويساعد على توسيع الحزام الأمني للمجتمع الأوروبي الأطلسي، وفق تقديره. 

وأضاف أنه نظرًا لتصاعد التهديدات الأمنية والتحديات المعقدة، فقد حان الوقت لتطوير نهج شامل للأمن في أوروبا يتجاوز حدود المؤسسات القائمة مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، يمكن أن يؤدي تعميق التعاون الدفاعي بين تركيا والمملكة المتحدة إلى تسهيل اندماج الدول غير الأعضاء في الاتحاد في الأمن الأوروبي. 

وإذا تحقق ذلك، فإن التناغم بين تركيا والمملكة المتحدة سيخلق شراكة مهمة يمكن للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه اللجوء إليها لمواجهة التحديات الجيوسياسية المقبلة. 

ويعتقد الكاتب أن أهمية هذه القوى الأوروبية الأطلسية الثلاث التي تشكل مثلثا إستراتيجيا لمواجهة حجم تحديات اليوم أمر لا يمكن إنكاره.